وأورد عليه : بإمكان توقّف التعقّل على أمر آخر كتوجّه النفس ونحو ذلك (١).
قال : ( ولاستلزام استغناء العارض استغناء المعروض ).
أقول : هذا وجه خامس يدلّ على تجرّد النفس العاقلة.
وتقريره : أنّ النفس تستغني في عارضها ـ وهو التعقّل ـ عن المحلّ ، فتكون في ذاتها مستغنية ؛ لأنّ استغناء العارض يستلزم استغناء المعروض ؛ لأنّ العارض محتاج إلى المعروض ، فلو كان المعروض محتاجا إلى شيء لكان العارض أولى بالاحتياج إليه ، فإذا استغنى العارض وجب استغناء المعروض.
وبيان استغناء التعقّل عن المحلّ أنّ النفس تدرك ذاتها لذاتها لا لآلة ، وكذا تدرك آلتها وتدرك إدراكها لذاتها ولآلتها ، كلّ ذلك من غير آلة تتوسّط بينها وبين هذه المدركات. فإذن هي مستغنية في إدراكها لذاتها ولآلتها ولإدراكها عن الآلة ، فتكون في ذاتها مستغنية عن الآلة أيضا.
فقوله رحمهالله : « ولاستلزام استغناء العارض » عنى بالعارض هاهنا التعقّل.
وقوله : « استغناء المعروض » عنى به النفس التي يعرض لها التعقّل.
فاعترض عليه بأنّه عين الوجه الأوّل (٢).
قال : ( ولانتفاء التبعيّة ).
أقول : الذي فهمناه من هذا الكلام أنّ هذا وجه آخر دالّ على تجرّد النفس.
وتقريره : أنّ القوّة المنطبعة في الجسم تابعة له في الضعف والكلال ، فإنّها تضعف بضعف ذلك الجسم الذي هو شرط فيها ، والنفس بالضدّ من ذلك فإنّها حال ضعف الجسم ـ كما في وقت الشيخوخة ـ تقوى وتكثر تعقّلا ، فلو كانت جسمانيّة لضعفت بضعف محلّها وليس كذلك ، فلمّا انتفت تبعيّة النفس للجسم في حال ضعفه دلّ ذلك على أنّها ليست جسمانيّة.
__________________
(١) هذا الإيراد ذكره القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ١٩٩.
(٢) الاعتراض للقوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ٢٠٠.