والإيراد باقتضاء حصول الخرافة في أواخر سنّ الشيخوخة كون النفس جسمانيّة مدفوع بأنّ ذلك لاستغراق النفس في تدبير البدن المشرف تركيبه إلى الانحلال ، فإنّه مانع عن التعقّل المحتاج إلى الالتفات.
وقد يقال : يجوز أن تضعف القوّة العاقلة لضعف البدن ، وكان ما يرى من ازدياد التعقّل بسبب اجتماع علوم كثيرة والتمرّن والاعتياد ، وفي آخر سنّ الشيخوخة يستولي الضعف بحيث لا يبقى أثر للتمرّن والامتحان فتعرض الخرافة.
وأيضا يجوز أن يكون المزاج الحاصل في زمان الكهولة أوفق للقوّة العاقلة من سائر الأمزجة وبذلك تحصل القوّة (١).
قال : ( ولحصول الضدّ ).
أقول : هذا وجه سابع يدلّ على تجرّد النفس.
وتقريره : أنّ القوّة الجسمانيّة عند توارد الأفعال عليها وكثرتها تضعف وتكلّ ؛ لأنّها تنفعل عنها ؛ فإنّ من نظر طويلا إلى قرص الشمس لا يدرك في الحال غيرها إدراكا تامّا ، وكذا السامعة فإنّها بعد سماع الرعد الشديد لا تسمع الصوت الضعيف ، وهكذا حال الشامّة والذائقة واللامسة. والقوّة النفسانيّة بالضدّ من ذلك ؛ فإنّها تقوى عند كثرة التعقّلات ، فالحاصل لها عند كثرة الأفعال هو ضدّ ما يحصل للقوّة الجسمانيّة عند كثرة الانفعال. فهذا ما خطر لنا في معنى قوله رحمهالله : « ولحصول الضدّ ».
وأورد عليه بأنّه يجوز أن تكون العاقلة مخالفة بالنوع لسائر القوى مع كون الجميع جسمانيّة (٢) مع أنّ القياس لا عبرة به في المسائل العلميّة وكذا الاستقراء الناقص.
وبالجملة ، فللتوقّف في المسألة مجال ، ولهذا ورد : « من عرف نفسه
__________________
(١) القائل هو القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ٢٠٠ ـ ٢٠١.
(٢) أورده القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ٢٠١.