فإن قال : إنّ حدّ الكلّي حدّ لكلّ نفس نفس ؛ إذ لا يعقل من كلّ نفس سوى ما قلناه في التحديد ، منعنا ذلك ونقول : بل ربّما يحتاج حدّ كلّ نفس إلى ضمّ مميّز جوهريّ مضافا إلى إمكان كون ما يعقل من النفس عرضا عامّا لأنواع متخالفة الحقيقة ، مع أنّات ألزمناه الدور ، لأنّ الأشياء المتكثّرة إنّما يصحّ جمعها في حدّ واحد لو كانت متّحدة في الماهيّة ، فلو استفدنا وحدتها من الدخول في الحدّ الواحد لزم الدور ، فتأمّل.
قال : ( واختلاف العوارض لا يقتضي اختلافها ).
أقول : هذا جواب عن شبهة من استدلّ على اختلافها (١).
وتقرير الدليل : أنّهم قالوا : وجدنا النفوس البشريّة تختلف في العفّة والفجور والذكاء والبلادة والبخل وسخاوة والجبن والشجاعة ، وليس ذلك من توابع المزاج ؛ لأنّ المزاج قد يكون واحدا والعوارض مختلفة ؛ فإنّ بارد المزاج قد يكون في غاية الذكاء ، وكذا حارّ المزاج قد يكون في غاية البلادة ، وقد يتبدّل والصفة النفسانيّة باقية ، ولا من الأسباب الخارجيّة كالتعلّم من المعلّم وتأثير مصاحبة الأبوين والأصحاب ونحو ذلك ؛ لأنّها قد تكون بحيث تقتضي خلقا والحاصل ضدّه ؛ إذ قد يكون الأبوان ـ مثلا ـ في غاية الخسّة والرذالة والولد في غاية الشرف والكرامة وبالعكس ، فعلمنا أنّها لوازم للماهيّة ، وعند اختلاف اللوازم يختلف الملزوم.
والجواب ـ مضافا إلى إمكان استنادها إلى أسباب مجهولة كالأوضاع الفلكيّة ـ أنّ الملزومات مختلفة وليست هي النفس وحدها ، بل النفس والعوارض المختلفة ، ومجموع النفس مع العوارض إذا كان مختلفا لا يلزم أن يكون كلّ جزء أيضا مختلفا ، فهذه الحجّة مغالطة ، مع أنّ هذه عوارض مفارقة غير لازمة ، فاختلافها لا يقتضي اختلاف موضوعها.
__________________
(١) « المطالب العالية » ٧ : ١٤٩ وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٣١٨.