هما نابتتان من مقدّم الدماغ حتّى تتلاقيا وتتقاطعا تقاطعا جليّا ، ويصير تجويفهما واحدا ، ثمّ تتباعدان إلى العينين ، فذلك التجويف هو محلّ القوّة الباصرة ومجمع النور.
والمبصرات إمّا أن يتعلّق الإبصار بها أوّلا وبالذات وبلا واسطة شيء ، أو ثانيا وبالعرض.
والأوّل هو الضوء واللون لا غير ؛ فإنّ اللون أيضا تتعلّق به الرؤية بلا واسطة شيء وإن كان تعلّقها به مشروطا بالضوء.
والثاني ما عداهما ، كالشكل والحجم والمقدار والحركة والوضع والحسن والقبح وغير ذلك من أصناف المرئيّات.
قال : ( وهو راجع فينا إلى تأثّر الحدقة ).
أقول : الإدراك عند جماعة المعتزلة والفلاسفة ـ على ما حكي (١) ـ راجع إلى تأثّر الحاسّة ، فالإبصار بالعين معناه تأثّر الحدقة وانفعالها عن الشيء المرئيّ ، هذا في حقّنا ؛ ولهذا قيّده المصنّف رحمهالله بقوله : « فينا » لأنّ الإدراك ثابت في حقّه تعالى ولا يتصوّر فيه التأثّر.
وذهبت الأشاعرة إلى ثبوت الرؤية في حقّه تعالى من غير تأثّر الحدقة ؛ إذ لا جارحة هناك. (٢)
قال : ( ويجب حصوله مع شرائطه ).
أقول : شرائط الإدراك ـ كما أفيد (٣) ـ سبعة :
__________________
(١) حكاه عنهم العلاّمة رحمهالله في « كشف المراد » : ١٩٦.
(٢) انظر : « المطالب العالية » ٢ : ٨١ ـ ٨٧ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١١٥ وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٧٩ وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢١٢ و ٣٢٧ وما بعدها.
(٣) انظر : « المطالب العالية » ٢ : ٨٣ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ١٣٥ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٨٥ و ٤ : ١٩٩ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢١٢ ـ ٢١٣.