مخروط رأسه عند مركز البصر وقاعدته عند سطح المبصر ، ولكن اختلفوا في كون ذلك المخروط مصمتا أو مركّبا من خطوط شعاعيّة مستقيمة أطرافها التي تلي البصر مجتمعة عند مركزه ، ثمّ تمتدّ متفرّقة إلى المبصر ، فما ينطبق عليه من المبصر أطراف تلك الخطوط أدركه البصر ، وما وقع بين أطراف تلك الخطوط لم يدركه ؛ ولذا يخفى على المبصر المسامات التي في غاية الدقّة في سطوح المبصرات (١).
وعن جماعة أنّ الخارج من العين خطّ واحد مستقيم إذا انتهى إلى المبصر تحرّك على سطحه في جهتي طوله وعرضه في غاية السرعة فيتخيّل هيئة مخروطة (٢).
وبالجملة ، فاختار المصنّف رحمهالله مذهب الرياضيّين.
الثاني : مذهب الطبيعيّين وهو أنّ الإبصار إنّما يكون بانطباع صورة المرئيّ في الجليديّة ، وهو المحكيّ عن أرسطو وأتباعه كالشيخ الرئيس وغيره (٣) ، قالوا : إنّ مقابلة المبصر للباصرة توجب استعداد يفيض به صورته على الجليديّة ، ولا يكفي في الإبصار الانطباع في الجليديّة ، وإلاّ لرأى الواحد اثنين ؛ لانطباع صورته على جليدتي العينين ، بل لا بدّ من تأدّي الصورة إلى ملتقى العصبتين المجوّفتين ، ومنه إلى الحسّ المشترك ، لا بالانتقال بل بإفاضة صورة مماثلة.
الثالث : مذهب طائفة من الحكماء ، وهو أنّ الإبصار ليس بخروج الشعاع والانطباع ، بل الهواء المشفّ الذي بين البصر والمرئيّ يتكيّف بكيفيّة الشعاع الذي في البصر ، ويصير بذلك آلة للإبصار (٤).
__________________
(١) انظر : « الشفاء » ٢ : ١٠٢ كتاب النفس ، الفصل الخامس من المقالة الثالثة ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٢٩٩ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ١٩٤ ـ ١٩٥ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٧٩ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢١٣.
(٢) انظر : « شرح المواقف » ٧ : ١٩٤ ـ ١٩٥ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٧٩ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢١٣.
(٣) « الشفاء » ٢ : ١٠٢ و ١٠٥ ؛ « التحصيل » : ٧٦٠ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٢٩٩ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ١٩٢ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢١٣.
(٤) انظر : « الشفاء » ٢ : ١٠٢ كتاب النفس ، الفصل الخامس من المقالة الثالثة ؛ « المباحث المشرقية » ٢ : ٢٩٩ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٧٩ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢١٣.