والحقّ أنّ المذهب الأوسط أوسط ، كما لا يخفى.
وحيث كان انطباع الصورة غير انطباع العين في العين ، لا يرد أنّه يستحيل انطباع العظيم في الصغير (١).
قال : ( فإن انعكس إلى المدرك أبصر وجهه ).
أقول : الشعاع إذا خرج من العين واتّصل بالمرئيّ وكان صقيلا كالمرآة انعكس عنه إلى كلّ ما نسبته إلى المرئيّ كنسبة العين إليه ؛ ولهذا وجب تساوي زاويتي الشعاع والانعكاس ، ووجب أن يشاهد بالمرآة كلّ ما وضع إليها كوضع المرئيّ ، فإن انعكس الشعاع إلى الرائي نفسه أدرك وجهه ، فإذا انتفت الصقالة لم يحصل الانعكاس كالأشياء الخشنة ؛ فإنّه لا ينعكس عنها إلى غيرها ، هذا مذهب أصحاب الشعاع في رؤية الإنسان وجهه بالمرآة (٢).
وأمّا القائلون بالانطباع ، فقالوا : إنّه تنطبع في المرآة صورة الرائي ، ثمّ تنطبع في العين من تلك الصورة صورة أخرى ؛ ولهذا تكون الصورة على قدر المرآة لا المرئيّ وينتقش في الصيقلي المقابل للمنقّش نقشه مع عدم شعاع هناك (٣).
قال : ( وإن عرض تفرّق السهمين تعدّد المرئيّ ).
أقول : هذا إشارة إلى علّة الحول عند القائلين بالشعاع ، والسبب في الحول عندهم أنّ النور الممتدّ من العين على شكل المخروط قوّته في سهم المخروط ، فإذا خرج من العينين مخروطان والتقى سهماهما عند البصر واتّحدا أدرك المدرك [ الشيء ] (٤) كما هو ، وإن لم يلتق السهمان عند شيء واحد رأى الرائي الشيء
__________________
(١) أورده الفخر الرازي في « المحصّل » : ٢٦٠ ، وذكره العلاّمة في « كشف المراد » : ١٩٧.
(٢) انظر : « الشفاء » ٢ : ١٠٤ ـ ١٠٥ كتاب النفس ، الفصل الخامس من المقالة الثالثة ؛ « التحصيل » : ٧٦٦ ـ ٧٨١ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ١٩٥ و ١٩٧ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢١٥.
(٣) « شرح تجريد العقائد » : ٢١٦.
(٤) الزيادة أثبتناها من « كشف المراد » : ١٩٨.