الواحد شيئين (١).
وأمّا القائلون بالانطباع (٢) فإنّهم قالوا : الصورة تنطبع أوّلا في الجليديّة ، وليس الإدراك عندها وإلاّ لأدركنا الشيء الواحد شيئين ، كما إذا لمسنا باليدين كان لمسين ، ولكنّ الصورة التي في الجليديّة تتأدّى بواسطة الروح المصبوب في العصبتين إلى ملتقاهما وعند الملتقى روح مدرك ، وحينئذ ترتسم عند الروح من الصورتين صورة واحدة ، فيرى بها ذلك الشيء واحدا ، وإن عرض عارض اقتضى أن لا تتأدّى الصورتان من الجليدتين دفعة واحدة رأى متعدّدا.
المسألة الرابعة عشرة : في أنواع القوى الباطنة المتعلّقة بإدراك الجزئيّات.
قال : ( ومن هذه القوى المدركة للجزئيّات بنطاسيا ، الحاكمة بين المحسوسات ).
أقول : أثبت الأوائل (٣) للنفس قوى جزئيّة ، خمس باطنية : الحسّ المشترك ، والخيال ، والوهم ، والحافظة ، والمتصرّفة ، فنقول :
الأولى : ما يسمّى باليونانيّة بنطاسيا ، أي لوح النفس ، وهي الحسّ المشترك المدرك للصور الجزئيّة التي تجتمع عنده من المحسوسات ، وهو ـ كما أفيد (٤) ـ قوّة مرتّبة في مقدّم التجويف الأوّل من التجاويف الثلاثة التي في الدماغ تقبل جميع الصور المنطبعة في الحواسّ الظاهرة ، فهؤلاء كجواسيس لها ؛ ولذا تسمّى حسّا مشتركا.
__________________
(١) انظر : « الشفاء » : ٢ : ١٣٢ كتاب النفس ، الفصل الثامن من المقالة الثالثة ؛ « التحصيل » : ٧٦٣ ـ ٧٦٤ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٣٢٦.
(٢) انظر : « الشفاء » ٢ : ١٣٣ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٣٢٧ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢١٦.
(٣) انظر : « الشفاء » ٢ : ١٤٥ وما بعدها ؛ « النجاة » ١٦٢ ـ ١٦٣ ؛ « التحصيل » : ٧٨٢ وما بعدها.
(٤) « النجاة » : ١٦٣ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٣٣٥ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٠٤ ـ ٢٠٨ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧.