الثانية : خزانته ، وهي الخيال ، وهو ـ كما أفيد (١) ـ قوّة مرتّبة في مؤخّر التجويف الأوّل تحفظ جميع الصور المحسوسة ؛ ولهذا يحصل التذكّر بعد الذهول.
الثالثة : الوهم ، وهو قوّة مرتّبة في آخر التجويف الأوسط من الدماغ تدرك المعاني الجزئيّة المتعلّقة بالمحسوسات ، كالصداقة الجزئيّة والعداوة الجزئيّة.
الرابعة : خزانته ، وهي الحافظة المرتّبة في أوّل التجويف الآخر من الدماغ تحفظ ما يدرك الوهم.
الخامسة : القوّة التي يكون سلطانها في أوّل التجويف الثاني من الدماغ ، وهي القوّة المتصرّفة في الصور الجزئيّة والمعاني الجزئيّة بالتركيب والتحليل ، فتركّب صورة إنسان يطير وجبل ياقوت.
وهذه القوّة تسمّى مخيّلة إن استعملتها القوّة الوهميّة ، ومفكّرة إن استعملها العقل والقوّة الناطقة.
إذا عرفت هذا فنقول : الدليل على ثبوت الحسّ المشترك وجوه :
أحدها : أنّا نحكم على صاحب لون معيّن بطعم معيّن ، فلا بدّ من حضور هذين المعنيين عند الحاكم وهو النفس ، وهي تدرك الجزئيّات بواسطة الآلات على ما تقدّم ، فيجب حصولهما معا في آلة واحدة ، وليس شيء من الحواسّ الظاهرة قابلا لذلك ، فلا بدّ من إثبات قوّة باطنة هي الحسّ المشترك.
وإلى هذا الدليل أشار بقوله : « الحاكمة بين المحسوسات ».
قال : ( لرؤية القطرة خطّا والشعلة دائرة ).
أقول : هذا دليل ثان على إثبات الحسّ المشترك.
وتقريره : أنّا نرى القطرة النازلة بسرعة خطّا مستقيما ، والشعلة الجوّالة بسرعة دائرة مع أنّه ليس في الخارج كذلك ، ولا في القوّة الباصرة ؛ لأنّ البصر إنّما يدرك
__________________
(١) « النجاة » : ١٦٣ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٠٨ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٩٤.