الشيء على ما هو عليه ، ولا النفس ؛ لأنّها لا تدرك الجزئيّات. فلا بدّ من قوّة أخرى يحصل بها إدراك القطرة حال حصولها في المكان الأوّل ، ثمّ إدراكها حال حصولها في الثاني برسم الحصول الثاني قبل انمحاء الصورة الأولى عن القوّة الشاعرة ، فتتّصل الصورتان في الحسّ المشترك ، فيرى النقطة كالخطّ ، والشعلة كالدائرة.
واعترض (١) عليه بأنّه يجوز أن يكون اتّصال الارتسام في الباصرة بأن يرتسم المقابل الثاني قبل أن يزول المرتسم الأوّل ؛ لقوّة ارتسام الأوّل وسرعة تعقّب الثاني ، فيكونان معا ، فتأمّل.
قال : ( والمبرسم ما لا تحقّق له ).
أقول : هذا دليل ثالث على إثبات هذه القوّة.
وتقريره : أنّ صاحب البرسام ـ من جهة تعطّل حواسّه الظاهرة واشتغال نفسه بالمرض واستيلاء المتخيّلة ـ يشاهد صورا لا وجود لها في الخارج ، وإلاّ يشاهدها كلّ ذي حسّ سليم.
فلا بدّ من قوّة ترتسم فيها هذه الصورة حال المشاهدة ، وكذا النائم يشاهد صورا لا تحقّق لها في الخارج. والسبب فيه ما ذكرناه ، وقد بيّنّا أنّ تلك القوّة لا يجوز أن تكون هي النفس ، فلا بدّ من قوّة جسمانيّة ترتسم فيها هذه الصور.
قال : ( والخيال لوجوب المغايرة بين الحافظ والقابل ).
أقول : هذه هي القوّة الثانية المسمّاة بالخيال ، وهي خزانة الحسّ المشترك الحافظ لما يزول عنه بعد غيبوبة الصورة التي باعتبارها تحكم النفس بأنّ ما شوهد ثانيا هو الذي شوهد أوّلا.
ومن هنا يفرق بين السهو والنسيان بأنّ السهو هو المحو عن الحسّ المشترك دون الخيال ؛ ولهذا لا يحتاج إلى الكسب الجديد بل يكفي التذكّر بعد التأمّل ، وأمّا النسيان
__________________
(١) المعترض هو الفخر الرازي ، كما في « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٣٣٤ ؛ « شرح المواقف » ٧ : ٢٠٦ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٨٧.