فهو المحو عن الحسّ المشترك والخيال معا بحيث يحتاج إلى الكسب الجديد.
نعم ، السهو والنسيان كالجارّ والمجرور إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا ، كما يقال : إنّ الفقير والمسكين كالجارّ والمجرور.
واستدلّوا على مغايرتها للحسّ المشترك بأنّ هذه القوّة حافظة والحسّ المشترك قابل ، والحافظ يغاير القابل ؛ لامتناع صدور أثرين عن علّة واحدة ، ولأنّ الماء فيه قوّة القبول وليس فيه قوّة الحفظ ، فدلّ على المغايرة.
وهذا كلام ضعيف ؛ لجواز كون القوّة الواحدة قابلة وحافظة باختلاف الجهة ، كما أنّ الأرض تقبل الشكل للمادّة وتحفظه للصورة ، فالأولى التمسّك بوجدان حالتي السهو والنسيان ؛ لأنّهما تقتضيان أن توجد القوّتان ، كما أشرنا إليه.
قال : ( والوهم المدرك للمعاني الجزئيّة ).
أقول : هذه هي القوّة الثالثة المدركة للمعاني الجزئيّة وتسمّى الوهم ، وهي مغايرة للنفس الناطقة ، لما تقدّم من أنّ النفس لا تدرك الجزئيّات لذاتها. وأشار إليه بقوله : « الجزئيّة » وللحسّ المشترك ؛ لأنّ هذه القوّة تدرك المعاني ، والحسّ يدرك الصورة المحسوسة. وأشار إليه بقوله : « للمعاني » وللخيال ؛ لأنّ الخيال شأنه الحفظ ، والوهم شأنه الإدراك فيتغايران كما قلنا في الحسّ والخيال. وأشار إليه بقوله : « المدرك ».
قال : ( والقوّة الحافظة ).
أقول : هذه هي القوّة الرابعة المسمّاة بالحافظة ، وهي خزانة الوهم.
والدليل على إثباتها كما قلناه في الخيال سواء ، من جهة أنّ القبول غير الحفظ ، والحافظ للمعاني غير الحافظ للصور ، وهذه تسمّى المتذكّرة باعتبار قوّتها على استعادة الغائبات.
ولهم خلاف في أنّ المتذكّرة هي الحافظة كما حكي (١).
__________________
(١) انظر : « الشفاء » ٢ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ؛ « النجاة » ١٦٣ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٣٤٧ ؛ « التحصيل » : ٧٨٧ ؛ « المباحث المشرقيّة » ٢ : ٣٤٣ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٩٣.