حيوان وعدم خلوّ حيوان عن القوّة اللامسة بخلاف سائر الحواسّ ، كما يقال في الخراطين (١) : إنّها فاقدة للمشاعر الأربعة دون اللامسة ، لدفع المفسدة باقتضاء الحكمة ، فكأنّها أوّل ما يدرك وأوّل ما يحتاج إليه من الكيفيّات المحسوسة ـ قدّم البحث عنها.
واعلم أنّ الكيفيّات الملموسة إمّا فعليّة أو انفعاليّة أو ما ينسب إليهما ، فالفعليّة كيفيّتان هما الحرارة والبرودة ، والمنفعلة اثنتان هما الرطوبة واليبوسة.
ونعني بالفعليّة ما تفعل الصورة بواسطتها في المادة أثرا من الآثار ، وبالمنفعلة ما تنفعل المادّة باعتبارها.
وإنّما كانت الأوليان فعليّتين والأخيرتان منفعلتين ـ وإن كانت المادّة تنفعل باعتبارهما ـ لأنّ الأوليين تفعلان في الأخيرتين ، دون العكس.
أمّا باقي الكيفيّات الملموسة ـ كاللطافة والكثافة واللزوجة والهشاشة والجفاف والبلّة والثقل والخفّة ـ فإنّها تابعة لهذه الأربعة.
فكانت هذه الكيفيّات الأربع أوائل الملموسات ؛ لأنّها مدركة أوّلا وبالذات ، وما عداها يدرك بتوسّطها ؛ ولهذا ينسب إليها.
قال : ( فالحرارة جامعة للمتشاكلات ومفرّقة للمختلفات ، والبرودة بالعكس ).
أقول : الحرارة من شأنها إحداث الخفّة والميل الصاعد ، ويحصل بسبب ذلك الحركة فإذا وردت الحرارة على المركّب وسخّنته ، طلب الألطف الصعود قبل غيره ؛ لسرعة انفعاله ، فاقتضى ذلك تفريق أجزاء المركّب. فإذا صعد الألطف جامع بالطبع [ إلى ] (٢) ما يجانسه ؛ لأنّ طبيعته تقتضي الحركة إلى مكانه الطبيعي والانضمام إلى الأصل الكلّيّ ؛ فإنّ الجنسيّة علّة الضمّ ، فالحرارة معدّة للاجتماع ، ويلزم من ذلك
__________________
(١) مفردة خرطون : « دود من رتبة الحلقيات ، دائم الحركة تحت الأرض حيث يأخذ غذاءه ، كثير المنفعة للزراعة ».
كذا في « المنجد في اللغة » : ١٧٤.
(٢) كذا في الأصل ، والظاهر أنّها زائدة.