كيفيّات تدرك باللمس بواسطة غيرها.
قال : ( ولكلّ منهما طرفان ).
أقول : لكلّ واحد من اللون والضوء طرفان ، ففي اللون السواد والبياض ، وفي الضوء النور الخارق والظلمة ، وما عدا هذه فإنّها متوسّطة ، كالحمرة والخضرة والصفرة والغبرة وغيرها من الألوان ، وكالظلّ وشبهه من الأضواء.
قال : ( وللأوّل حقيقة ).
أقول : ذهب بعض القاصرين إلى أن الألوان لا حقيقة لها (١) ؛ فإنّ البياض إنّما يتخيّل عن مخالطة الهواء المضيء للأجسام الشفّافة المنقسمة إلى الأجزاء الصغار كما في زبد الماء والثلج ، والسواد إنّما يتخيّل لعدم غور الهواء والضوء في عمق الجسم ، وباقي الألوان يتخيّل بسبب اختلاف الشفيف وتفاوت مخالطة الهواء.
ويستفاد ممّا حكي (٢) عن الشيخ أنّ البياض قد يكون ظاهرا باختلاط الهواء ، وقد يحدث من غير هذا الوجه ، كما في الجصّ فإنّه يبيضّ بالطبخ بالنار ، ولا يبيضّ بالسحق مع أنّ تفرّق الأجزاء ومداخلة الهواء فيه أظهر (٣).
والحقّ أنّه كيفيّة حقيقيّة قائمة بالجسم في الخارج ؛ لأنّه محسوس ، كما في بياض البيض المسلوق ، فإنّه ليس لنفوذ الهواء فيه ؛ لزيادة ثقله بعد الطبخ الدالّة على خروج الهواء.
وبالجملة ، فالأمور المحسوسة غنيّة عن البرهان.
قال : ( وطرفاه السواد والبياض المتضادّان ).
أقول : يعني طرفا اللون السواد والبياض ، وقيّدهما بالمتضادّين ؛ لأنّ الضدّين
__________________
(١) راجع « الشفاء » ٢ : ٩٥ ، الفصل الرابع من المقالة الثالثة ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٠٦ ـ ٤٠٧ ؛ « نهاية المرام في علم الكلام » ١ : ٥٣٢ ـ ٥٣٣ ؛ « شرح المواقف » ٥ : ٢٣٤ وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٢٥٦ ـ ٢٥٩.
(٢) حكاه عنه الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٠٧ والعلاّمة في « نهاية المرام » ١ : ٥٢٣.
(٣) انظر : « الشفاء » الطبيعيّات ٢ : ٢٥٦ ، الفصل الأوّل من المقالة الثانية و ٢ : ١٠٠ ، الفصل الرابع من المقالة الثالثة.