هما اللّذان بينهما غاية التباعد ، ولا يحصل كون اللون طرفا إلاّ بها ، فلأجل ذلك ذكر هذا القيد في بيان الطرفين.
وهذا تنبيه على أنّ ما عداهما متوسّط بينهما وليس نوعا قائما بانفراده ، كما ذهب إليه بعض من أنّ الألوان الحقيقيّة خمسة : السواد ، والبياض ، والحمرة ، والصفرة ، والخضرة (١).
ونبّه بقوله : « المتضادّان » على امتناع اجتماعهما ، خلافا لبعض الناس ؛ حيث ذهب إلى أنّهما يجتمعان ، كما في الغبرة (٢).
وهو خطأ ؛ لاقتضاء الاجتماع البقاء المستلزم لرؤية الجسم في غاية البياض مثلا.
اللهمّ إلاّ أن يقال بحدوث لون آخر متوسّط من التركيب (٣).
وفيه : أنّ الوجدان شاهد على وجود الجسم ابتداء مع لون الغبرة من غير وجود بياض وسواد حتّى يتصوّر الاجتماع.
قال : ( ويتوقّف على الثاني في الإدراك لا الوجود ).
أقول : ذهب أبو عليّ بن سينا ـ على ما حكي (٤) ـ إلى أنّ الضوء شرط وجود اللون (٥) ، فالأجسام الملوّنة حال الظلمة تعدم عنها ألوانها ؛ لأنّا لا نراها في الظلمة ، فإمّا أن يكون لعدمها ـ وهو المراد ـ أو لحصول المانع ، وهو ما يقال : إنّ الظلمة كيفيّة قائمة بالمظلم مانعة عن الإبصار ـ وهو باطل ، وإلاّ لمنع من هو بعيد عن النار عن
__________________
(١) انظر : « المحصّل » : ٢٣٢ وقد نسبه إلى المعتزلة ؛ « نهاية المرام » ١ : ٥٣٩ ؛ « شرح المواقف » ٥ : ٢٤٢ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٢٦٠.
(٢) هو الكعبي كما في « نهاية المرام » ١ : ٥٣٩ ، ولمزيد الاطّلاع راجع « شرح تجريد العقائد » : ٢٣٨ ـ ٢٣٩.
(٣) قال به الكعبي أيضا على ما في « نهاية المرام » ١ : ٥٣٩.
(٤) حكاه العلاّمة في « كشف المراد » : ٢١٨ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٥٤١.
(٥) انظر : « الشفاء » ٢ : ٨٠ ـ ٨٢ و ٨٨ ـ ٨٩ ، الفصل الأوّل من المقالة الثالثة ، وبه قال بهمنيار في « التحصيل » : ٦٩٠ و ٧٥٨ وكذا ابن الهيثم على ما في « شرح المواقف » ٥ : ٢٤٣.