ظاهر محسوس ، فإنّ البياض في الثلج أشدّ من البياض في العاج ، وضوء الشمس أشدّ من ضوء القمر.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ الشديد في كلّ نوع مخالف للضعيف منه ومباين بالنوع ؛ لكون كلّ منهما موجودا مستقلاّ لا مترتّبا ومتفرّعا على الآخر ، والمميّز جوهريّ لا عرضيّ ، فيكونان نوعين متباينين وإن احتمل كونهما صنفين متباينين أيضا.
وذهب قوم إلى أنّ سبب الشدّة والضعف ليس الاختلاف بالحقيقة ، بل باختلاط بعض أجزاء الشديد بأجزاء الضدّ فيحصل الضعف ، وإن لم يختلط حصلت الشدّة (١).
وقد بيّنّا خطأهم فيما تقدّم.
قال : ( ولو كان الثاني جسما لحصل ضدّ المحسوس ).
أقول : ذهب بعض القاصرين إلى أنّ الضوء جسم صغير ينفصل من المضيء ويتّصل بالمستضيء (٢).
وهو غلط ، وسبب غلطه ما يتوهّم من كونه متحرّكا بحركة المضيء.
وإنّما كان ذلك باطلا ؛ لأنّ الحسّ يحكم بافتقاره إلى موضوع يحلّ فيه ، ولا يمكنه تجريده عن محلّ يقوم به ، فلو كان جسما لحصل ضدّ هذا الحكم المحسوس ، وهو قيامه بنفسه واستغناؤه عن موضوع يحلّ فيه مع أنّ الضوء يتحرّك بتبعيّة المضيء لا بالذات ، أو يحدث في المستضيء بمقابلة المضيء.
ويحتمل أن يكون معنى قوله : « لحصل ضدّ المحسوس » أنّ الضوء إذا أشرق على الجسم ، ظهر ، وكلّما ازداد إشراقه زاد ظهوره في الحسّ ، فلو كان جسما لكان ساترا لما يشرق عليه ، فكان يحصل الاستتار الذي هو ضدّ المحسوس ، أعني
__________________
(١) انظر : « نهاية المرام » ١ : ٥٤٠ ـ ٥٤١ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٢٥١ ـ ٢٥٥ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٤٠ ـ ٢٤١ ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٠٧ ـ ٤٠٨.
(٢) راجع النفس من « الشفاء » الفصل الثاني من المقالة الثالثة ٢ : ٨٣ ؛ « المباحث المشرقيّة ١ : ٤٠٩ ـ ٤١١ ؛ « نهاية المرام » : ٥٤٨ ـ ٥٥١ ؛ « شرح المواقف » ٥ : ٢٤٧ ـ ٢٥٠ ؛ « شرح المقاصد » ٣ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧.