الانكشاف ، ويكون كلّما ازداد إشراقه ازداد ستره ، ولكنّ الحسّ يشهد بضدّ ذلك.
أو نقول : إنّ الحسّ يشهد بسرعة ظهور ما يشرق عليه الضوء ؛ فإنّ الشمس إذا طلعت على وجه الأرض أشرقت دفعة ، ولو كان الضوء جسما ، افتقر إلى زمان يقطع هذه المسافة الطويلة ، وكان يحصل ضدّ السرعة المحسوسة ، فهذه الاحتمالات كلّها صالحة لتفسير قوله : « لحصل ضدّ المحسوس ».
قال : ( بل هو عرض قائم بالمحلّ معدّ لحصول مثله في المقابل ).
أقول : لمّا أبطل كونه جسما ثبت كونه عرضا قائما بالمحلّ ؛ لأنّ العرض لا يقوم بنفسه ، وإذا قام بالمحلّ حصل منه استعداد للجسم المقابل ؛ لتكيّفه بمثل كيفيّته ، كما في الأجسام النّيرة الحاصل منها النور في المقابل.
قال : ( وهو ذاتيّ وعرضيّ ، أوّل وثان ).
أقول : الضوء ، منه ذاتيّ وهو القائم بالمضيء لذاته كما للشمس ، ويسمّى ضياء ، وقد يخصّ اسم الضوء به. ومنه عرضيّ وهو القائم بالمضيء بالغير كما للقمر ، ويسمّى نورا.
والعرضيّ قسمان : ضوء أوّل حاصل من مقابلة المضيء لذاته كضوء القمر ، وضوء ثان حاصل من مقابلة المضيء بالغير كالأرض قبل طلوع الشمس.
قال : ( والظلمة عدم ملكة ).
أقول : الظلمة عدم الضوء عمّا من شأنه أن يكون مضيئا (١) ، ومثل هذا العدم المقيّد بموضوع خاصّ يسمّى عدم ملكة.
وليست الظلمة كيفيّة وجوديّة قائمة بالمظلم ، كما ذهب إليه من لا تحقيق له (٢) ؛
__________________
(١) انظر : « الشفاء » ٢ : ٨١ كتاب النفس ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤١٧ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٥٥٦ ـ ٥٥٩ ؛ « شرح المواقف » ٥ : ٢٤٤ ـ ٢٤٦ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٢٦١ ـ ٢٦٣.
(٢) نسبه في « نهاية المرام » ١ : ٥٥٦ إلى جماعة من الأشاعرة ، وفي « شرح المقاصد » ٢ : ٢٦٣ و « شرح تجريد العقائد » ٢٤٢ و « شوارق الإلهام » ٤٠٩ إلى البعض.