لأنّ المبصر لا يجد فرقا بين حالتيه عند فتح العين في الظلمة وبين تغميضها في عدم الإدراك ، فلو كانت كيفيّة وجوديّة لحصل الفرق.
وفي هذا نظر ؛ فإنّه يدلّ على انتفاء كونها كيفيّة وجوديّة مدركة ، لا على أنّها وجوديّة مطلقة ، كما هو ظاهر قوله تعالى : ( وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ) (١) و ( جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَالنَّوْمَ سُباتاً ) (٢) ونحو ذلك ؛ فإنّ المجعول لا يكون إلاّ موجودا.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ العدم الصرف غير مجعول ، والعدم الخاصّ مجعول ، كما هو ظاهر قوله تعالى : ( وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ ) (٣) فالوجدان والقرآن شاهدان مقبولان.
المسألة السابعة : في البحث عن المسموعات.
قال : ( ومنها المسموعات ، وهي الأصوات الحاصلة من التموّج المعلول للقرع والقلع ).
أقول : من الكيفيّات المحسوسة الأصوات ، وهي المدركة بالسمع.
واعلم أنّ الصوت عرض قائم بالمحلّ.
وقد ذهب قوم غير محقّقين ـ على ما حكي (٤) ـ إلى أنّ الصوت جوهر ينقطع بالحركة.
وهو خطأ ؛ لأنّ الجوهر يدرك باللمس والبصر ، والصوت ليس كذلك ، مع أنّ استلزام ما ذكر النقص بل الاضمحلال في محلّ الصوت بالانقطاع الجوهري ، وليس كذلك.
__________________
(١) الأنعام (٦) : ١.
(٢) الفرقان (٢٥) : ٤٧.
(٣) يس (٣٦) : ٣٧.
(٤) حكاه العلاّمة في « كشف المراد » ٢٢١ ونسبه في « نهاية المرام » ١ : ٥٦٠ إلى إبراهيم النظّام.