وذهب آخرون إلى أنّه عبارة عن التموّج الحاصل في الهواء من القلع والقرع (١).
وآخرون قالوا : إنّه القرع والقلع (٢).
وهذان المذهبان أيضا باطلان ، وسبب غلطهم أخذ سبب الشيء مكانه ؛ فإنّ الصوت معلول للتموّج المعلول للقلع أو القرع ، فليس هو أحدهما ؛ لأنّا ندركه بحسّ البصر لا بالسمع ، فهما خلاف الصوت.
إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّ القلع أو القرع إذا حصل حدث صراخ بين القارع والمقروع في الهواء ، وهي كيفيّة تحدث في الهواء فتموّج ذلك الهواء وانتقل ذلك التموّج إلى سطح الصماخ فأدرك الصوت.
ولا نعني بذلك أنّ تموّجا واحدا انتقل بعينه إلى الصماخ ، بل يحصل تموّج بعد تموّج عن صدم بعد آخر ، كما في تموّج الماء إلى أن يصل إلى الحسّ.
قال : ( بشرط المقاومة ).
أقول : القرع إنّما يحصل معه الصوت إذا حصلت المقاومة بين القارع والمقروع ؛ فإنّك إذا ضربت خشبة على وجه الماء بحيث تحصل المقاومة ، فإنّه يحدث الصوت ، ولو وضعتها عليه بسهولة لم يحصل الشرط.
ولا تشترط الصلابة ؛ لحصول الصوت من الماء والهواء ولا صلابة هناك.
وكذا حكم القلع ؛ لحصول الصوت في قلع الكرباس دون القطن.
ويشهد على ذلك الاستقراء الناقص المفيد للقطع بضميمة الحدس وإن لم يكن بالذات إلاّ كونه مفيدا للظنّ ، كما في مشاهدة خروج البول والغائط من الأسفل في بعض الحيوان والإنسان ، فإنّها بضميمة الحدس تفيد القطع بأنّ المخرج الطبيعي هو الأسفل.
قال : ( في الخارج ).
__________________
(١) « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٢٠ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٥٦٠ ـ ٥٦١ ؛ « شرح المواقف » ٣ : ٢٧٣ ، ولمزيد معرفة الأقوال في هذه المسألة انظر : « الشفاء » ٢ : ٧٠ ـ ٧٦ ، الفصل الخامس من المقالة الثانية من كتاب النفس.
(٢) « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٢٠ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٥٦٠ ـ ٥٦١ ؛ « شرح المواقف » ٣ : ٢٧٣ ، ولمزيد معرفة الأقوال في هذه المسألة انظر : « الشفاء » ٢ : ٧٠ ـ ٧٦ ، الفصل الخامس من المقالة الثانية من كتاب النفس.