أقول : ذهب قوم (١) إلى أنّ الصوت ليس بحاصل في الخارج ، بل إنّما يحصل عند الصماخ ، وهو ما إذا تموّج الهواء وانتهى التموّج إلى أن قرع سطح الصماخ فيحصل الصوت.
وهو خطأ ، بل هو حاصل في الخارج ، وإلاّ لم يدرك الجهة ولا البعد كما في اللمس حيث كان إدراكه بالملاقاة.
ولا يمكن أن يقال (٢) : إنّ إدراك الجهة إنّما كان لأنّ القرع توجّه من تلك الجهة ، وإدراك البعد لأنّ ضعف الصوت أو قوّته يدلّ على القرب أو البعد.
لأنّا لو سددنا الأذن اليسرى لأدركنا باليمنى جهة الصوت الحاصل من جهة اليسرى ، والضعف لو كان للبعد لم يفرق بين القويّ البعيد والضعيف القريب.
قال : ( ويستحيل بقاؤه لوجوب إدراك الهيئة الصوريّة ).
أقول : الصوت غير قارّ الأجزاء ، ويستحيل عليه البقاء ، بل توجد أجزاؤه على سبيل التجدّد والتقضّي ، كما في الحركة والزمان ، خلافا للكراميّة (٣).
والدليل عليه أنّا إذا سمعنا لفظة « زيد » أدركنا الهيئة الصوريّة ، أعني ترتيب الحروف وتقدّم بعضها على بعض.
ولو كانت أجزاء الحروف باقية لم يكن إدراك هذا الترتيب أولى من باقي الترتيبات الخمسة [ التي ] يقال لها التقليبات.
واعترض (٤) عليه بأنّ حدوث حروف « زيد » ـ مثلا ـ ابتداء على هذه الهيئة المخصوصة دون غيرها يرجّح بقاءها وإدراكها ، فهي أولى.
__________________
(١) انظر : « الشفاء » ٢ : ٧٢ وما بعدها ؛ « نهاية المرام » ١ : ٥٧٠ ـ ٥٧٢ ؛ « شرح المواقف » ٥ : ٢٦٣ ـ ٢٦٧ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤.
(٢) أورد الإشكال وجوابه الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٢١. وانظر : « نهاية المرام » ١ : ٥٧٠ ـ ٥٧١ ؛ « شرح المواقف » ٥ : ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.
(٣) انظر : « نهاية المرام » ١ : ٥٦٩ ؛ « كشف المراد » : ٢٢٢ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤١٢.
(٤) راجع « نهاية المرام » ١ : ٥٦٩ ـ ٥٧٠ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٤٥.