فالأولى التمسّك بالبداهة ، لبداهة عدم البقاء في الخارج والحسّ. والترتّب في السماع بالنسبة إلى البعيد والقريب من جهة احتياج حدوث صوت آخر للبعيد إلى تموّج زائد موجب لحدوث مثل مسموع القريب لا عينه بشخصه.
قال : ( ويحصل منه آخر ).
أقول : الصوت ـ كما مرّ ـ إنّما يحصل باعتبار التموّج في الهواء الواصل إلى سطح الصماخ ، وقد بيّنّا وجوده في الخارج ، فإذا تأدّى التموّج إلى جسم كثيف مقاوم لذلك التموّج كالجبل والجدار ردّه فيحصل منه تموّج آخر ، وحصل من ذلك التموّج الآخر صوت آخر ، وهو الصدى.
قال : ( وتعرض له كيفيّة مميّزة يسمّى باعتبارها حرفا ).
أقول : قد تعرض للصوت كيفيّة يتميّز بها عن صوت آخر مثله تميّزا في المسموع ، ويسمّى الصوت باعتبار تلك الكيفيّة ـ أو مجموع العارض والمعروض ، لا نفس الكيفيّة كما عن الشيخ (١) ـ حرفا ، وهي حروف التهجّي الحاصلة عند خروج الصوت من مقطع الفم ؛ ولهذا زدنا كلمة « قد ».
وحصرها غير معلوم بالبرهان.
قال : ( إمّا مصوّت أو صامت ، متماثل أو مختلف بالذات أو بالعرض ).
أقول : ينقسم الحرف إلى قسمين : مصوّت وصامت.
فالمصوّت هو حرف المدّ ـ أعني الواو والألف والياء ـ إذا كانت ساكنة ، وكانت حركة ما قبلها من جنسها واتّصلت بالهمزة أو السكون ؛ فإنّها لامتدادها كأنّها مصوّتة مولّدة للصوت. وإمّا صامت وهو ما عداها.
والصامت إمّا متماثل لا اختلاف بينهما لا بالذات ولا بالعوارض المسمّاة بالحركة والسكون ، كالباءين الساكنتين أو المتحرّكتين بنوع واحد من الحركات ،
__________________
(١) راجع « نهاية المرام » ١ : ٥٧٥ ؛ « شرح المواقف » ٥ : ٢٦٨ ـ ٢٦٩ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٢٧٩ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٤٥ ؛ « شوارق الإلهام : ٤١٣.