أو مختلف. والمختلف إمّا بالذات كالجيم والخاء ، أو بالعرض كالجيمين إذا كان أحد الجيمين ـ مثلا ـ ساكنا والآخر متحرّكا ، أو يكون أحدهما متحرّكا بحركة والآخر بضدّها.
والظاهر جريان القسمة الأخيرة في مطلق الحروف من غير اختصاص بالصامت وإن كان ظاهر العبارة.
قال : ( وينتظم منها الكلام بأقسامه ).
أقول : هذه الحروف المسموعة إذا تألّفت تأليفا مخصوصا ـ أي بحسب الوضع ـ كانت كلاما. فحدّ الكلام ـ على هذا ـ هو ما انتظم من الحروف المسموعة ، ويدخل فيه المفرد وهو الكلمة الواحدة ، والمؤلّف التامّ. وهو المحتمل للصدق والكذب وغير المحتمل لهما من الأمر والنهي والاستفهام والتعجّب والنداء ، وغير التامّ التقييديّ وغيره.
وإلى هذا أشار بقوله : « بأقسامه ».
قال : ( ولا يعقل غيره ).
أقول : يريد أنّ الكلام إنّما هو المنتظم من الحروف المسموعة ، ولا يعقل غيره ، وهو ما أطلق عليه الأشاعرة (١) وأثبتوا معنى آخر سمّوه الكلام النفسانيّ غير المؤلّف من الحروف والأصوات ، وهو المعنى القائم بالنفس الذي يدلّ هذا الكلام عليه. وهو مغاير للإرادة ؛ لأنّ الإنسان قد يأمر بما لا يريد ؛ إظهارا لتمرّد العبد عن السلطان ، فيحصل عذر في ضربه. ومغاير لتخيّل الحروف ؛ لأنّ تخيّلها تابع لها ويختلف باختلافها ، وهذا المعنى لا يختلف ، وظاهر أنّه مغاير للحياة والقدرة وغيرهما من الأعراض.
والمعتزلة بالغوا في إنكار هذا المعنى (٢) ، وادّعوا الضرورة في نفيه ، وقالوا : إذا صدر
__________________
(١) راجع « المحصّل » ٤٠٣ ـ ٤٠٨ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٩٤ وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٤٤ وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٤٥ ـ ٢٤٦.
(٢) انظر : « المغني » ٧ : ١٤ للقاضي عبد الجبّار.