من المتكلّم خبر ، فهناك ثلاثة أشياء : العبارة الصادرة عنه ، وعلمه بثبوت النسبة أو انتفائها ، ونفس ثبوت تلك النسبة وانتفائها في الواقع ؛ والأخيران ليسا كلاما حقيقيّا اتّفاقا ، فتعيّن الأوّل. وإذا صدر عنه أمر أو نهي فهناك شيئان : أحدهما : لفظ صادر عنه. والثاني : إرادة أو كراهة قائمة بنفسه متعلّقة بالمأمور به أو المنهيّ عنه ، وليست الإرادة والكراهة أيضا كلاما حقيقيّا اتّفاقا ، فتعيّن اللفظ. وقس على ذلك سائر أقسام الكلام.
ومدلول الكلام اللفظي الذي يسمّيه الأشاعرة كلاما نفسيّا ليس أمرا وراء العلم في الخبر ، والإرادة في الأمر ، والكراهة في النهي ، وهي غير الكلام بالضرورة.
ولا فرق في ذلك بين كلامنا وكلام الله عندنا وعند المعتزلة (١) ، خلافا للأشاعرة.
بيان ذلك : أنّ الأشاعرة (٢) قالوا : إنّ الكلام على قسمين :
لفظيّ مؤلّف من هذه الحروف.
ونفسي وهو المعنى القائم بالنفس الذي هو مدلول الكلام اللفظي ، كما قال الشاعر :
إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا |
وقالوا : إنّ كلام الله صفة له ، فليس من جنس الأصوات والحروف ، بل هو معنى قائم بذاته تعالى يسمّى الكلام النفسيّ ، وهو مدلول الكلام اللفظي ، وهو قديم.
وردّ (٣) : بأنّه خلاف الضرورة الحاكمة بأنّ المنتظم من الحروف المسموعة ، المفتتح
__________________
(١) راجع « النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر » : ١٦ ـ ١٨ ؛ « مفتاح الباب الحادي عشر » : ١٢١ ـ ١٢٨ ؛ « إحقاق الحقّ » ١ : ٣٠٢ وما بعدها ؛ « دلائل الصدق » ١ : ٢٥٥ ؛ « المغني » ٧ : ٨٤ ؛ « شرح الأصول الخمسة » ٥٢٨ ؛ « المحصّل » : ٤٠٣ ـ ٤٠٤ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٩ وما بعدها ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣١٦.
(٢) « المحصّل » : ٤٠٣ ـ ٤٠٨ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٩١ ـ ٩٧ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٤٣ و ١٤٧ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣١٦ ؛ « إحقاق الحقّ » ١ : ٢٠٤ ـ ٢٠٦.
(٣) هذا الردّ هو أحد الوجوه الذي تمسّك به المعتزلة في المقام ، انظر : « شرح المقاصد » ٦ : ١٥١ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣١٦.