بالتحميد ، المختتم بالاستعاذة قرآن ، ولهذا قال صاحب المواقف ـ على ما حكي (١) عنه ـ : إنّ لفظ « المعنى » يطلق تارة على مدلول اللفظ ، وأخرى على الأمر القائم بالغير ، فالشيخ الأشعري لمّا قال : الكلام هو المعنى النفسي فهم الأصحاب منه أنّ مراده مدلول اللفظ وحده ، وهو القديم عنده ، وأمّا العبارات فإنّما تسمّى كلاما مجازا ؛ لدلالتها على ما هو كلام حقيقة ، ولزم مفاسد كثيرة : كعدم كون القرآن معجزة ، فوجب حمل كلامه على ما يعمّ اللفظ والمعنى ، وهو الأمر القائم بذات الله تعالى لفظا كان أو معنى ، وأنّ ترتّب الحروف في التلفّظ حادث والملفوظ قديم (٢).
وردّ (٣) : بأنّه أمر خارج عن طور العقل ؛ ولهذا قال المصنّف رحمهالله : « لا يعقل غيره ».
والإنصاف أنّ النزاع ناشئ عن عدم الفرق بين معاني الكلام ؛ فإنّ الكلام بمعنى القدرة على إيجاد ما يدلّ على المراد صفة له تعالى قديم بل عين ذاته ، وبمعنى إيجاد ما يدلّ على المراد صفة له تعالى في مقام الفعل ، وهو حادث بعد المشيئة. وبمعنى المتكلّم به ، معلول له تعالى ، ومجعول بجعله ومخلوق كسائر خلقه ، وهو أيضا حادث اسمه القرآن مثلا ، وبه وقع التحدّي والمعارضة ، وهو من المعجزات الباقية ، والموصوف بكونه ذكرا (٤) عربيّا (٥) مقروءا (٦) محفوظا (٧) ونحو ذلك من الصفات الثابتة للقرآن بالضرورة. وحينئذ يصير النزاع هاهنا لفظيّا.
__________________
(١) حكاه القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ٣١٩.
(٢) نقله الجرجاني عن صاحب المواقف من مقالته المفردة في تحقيق كلام الله تعالى. انظر : « شرح المواقف » ٨ : ١٠٣ ـ ١٠٤.
(٣) الرادّ هو القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ٣١٩.
(٤) كقوله تعالى في سورة آل عمران ، الآية ٥٨ : ( ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ).
(٥) كقوله تعالى في سورة يوسف ، الآية ٢ : ( إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ).
(٦) كقوله تعالى في سورة المزمّل ، الآية ٢٠ : ( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ).
(٧) كقوله تعالى في سورة الحجر ، الآية ٩ : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ).