وقد يقال : إنّ الكيفيّة النفسانيّة إن كانت راسخة سمّيت ملكة ، وإن كانت غير راسخة سمّيت حالا.
وهو الأنسب بلفظ الملكة ؛ فإنّه من الملك الذي يناسبه تعذّر الزوال أو تعسّره.
والفرق بينهما ليس بفصول مميّزة ، بل بعوارض خارجيّة ، وربّما كان الشيء حالا ثمّ صار بعينه ملكة.
المسألة الثانية عشرة : في البحث عن العلم بقول مطلق.
قال : ( منها العلم ، وهو إمّا تصوّر أو تصديق جازم مطابق ثابت ).
أقول : من الكيفيّات النفسانيّة العلم ، ولفظ « العلم » يطلق على معان.
منها : الإدراك مطلقا ، تصوّرا كان أو تصديقا.
وبعبارة أخرى : حصول صورة الشيء في الذهن أو قبوله.
ومنها : الصورة الحاصلة في الذهن.
ومنها : التصديق بالمسائل.
ومنها : نفس المسائل.
ومنها : الملكة الحاصلة من تكرّر الإدراكات.
ومنها : منشأ انكشاف الأشياء وسبب ظهور المعلوم للعالم.
وقد يقال : العلم صفة توجب لمحلّها تميّزا لا يحتمل متعلّق ذلك التميّز نقيض ذلك التميز (١).
وبالجملة ، فالعلم بالمعنى الأوّل بل الثاني والأخير أيضا ينقسم إلى التصوّر ، وهو عبارة عن حصول صورة الشيء في الذهن ، وإلى التصديق الجازم المطابق الثابت ، وهو الحكم اليقيني بنسبة أحد المتصوّرين إلى الآخر إيجابا أو سلبا.
__________________
(١) نسبه الفخر الرازي إلى أكثر المتكلّمين في « المطالب العالية » ٣ : ١٠٤ ، والجرجاني إلى جماعة من الأشاعرة في « شرح المواقف » ٦ : ٢.