أقول : يريد أنّ كلّ واحد من التصوّر والتصديق ينقسم إلى الضروريّ والمكتسب.
ويريد بالضروريّ من التصوّر ما لا يتوقّف على طلب وكسب ونظر ، ومن التصديق ما يكفي تصوّر طرفيه في الحكم بنسبة أحدهما إلى الآخر إيجابا أو سلبا.
وأمّا المكتسب فهو ضدّ ذلك فيهما ؛ فإنّه يتوقّف على النظر ، وهو ترتيب أمور معلومة لتحصيل المجهول.
المسألة الثالثة عشرة : في أنّ العلم يتوقّف على الانطباع.
قال : ( ولا بدّ فيه من الانطباع ).
أقول : اختلف العلماء في ذلك ، فذهب جمهور الأوائل (١) إلى أنّ العلم يستدعي انطباع المعلوم وانتقاش مثاله وشبحه في العالم ، فبشهادة الوجدان بعدم الفرق بين العلم بالموجود والمعدوم يحكم بأنّ العلم مطلقا يجب فيه الانطباع إذا لم يكن المعلوم أو علّته حاضرا عند العالم ولو على وجه المغايرة الاعتباريّة ، ولا يحصل العلم الأقوى من غير انطباع ؛ لأنّ انكشاف الشيء للعالم لأجل حضوره بنفسه أو بعلّته أقوى من حضوره بصورته ، فلا يرد الإشكال في علم الواجب تعالى حتّى بالمعدومات بل الممتنعات (٢) ، كما سيأتي إن شاء الله.
وأنكره آخرون (٣).
احتجّ الأوّلون (٤) بأنّا ندرك أشياء لا تحقّق لها في الخارج ، فلو لم تكن منطبعة في الذهن ، كانت عدما صرفا ونفيا محضا ، فيستحيل الإضافة إليها.
__________________
(١) انظر : « الشفاء » ٢ : ٥٠ ـ ٥٧ ؛ « المباحثات » : ١٨٤ / ٥٤٦ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٣٠٨ ؛ « نقد المحصّل » : ١٥٦ ـ ١٥٧ ، ونسبه في « شرح المواقف » ٦ : ٣ إلى الحكماء.
(٢) أورد القوشجي هذا الاستدلال والجواب عليه في « شرح تجريد العقائد » : ٢٥٠ ـ ٢٥١.
(٣) انظر : « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣ ؛ « نهاية المرام » ١٢ ـ ٣٣ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٧.
(٤) « شرح المواقف » ٦ : ٣ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٠٠ ؛ « المحاكمات » في هامش « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٣٠٠.