واحتجّ الآخرون (١) بوجهين :
الأوّل : أنّ التعقّل لو كان حصول صورة المعقول في العاقل ، لزم أن يكون الجدار المتّصف بالسواد متعقّلا له ، والتالي باطل ، فكذا المقدّم.
الثاني : أنّ الذهن قد يتصوّر أشياء متقدّرة ، فيلزم حلول المقدار فيه فيكون متقدّرا.
والجواب عنه ما سيأتي.
قال : ( في المحلّ المجرّد القابل ).
أقول : هذا إشارة إلى الجواب عن الإشكالين.
وتقريره : أنّ المحلّ الذي جعلنا عاقلا مجرّد عن الموادّ كلّها ؛ لأنّه النفس ، وهي مجرّدة كما مرّ ، والمجرّد لا يتّصف بالمقدار باعتبار حلول صور فيه ؛ فإنّ صورة المقدار لا يلزم أن تكون مقدارا.
وأيضا هذه الصور القائمة بالعاقل حالّة في محلّ قابل لتعقّلها ؛ ولهذا كان عاقلا لها.
أمّا الجسم فليس محلاّ قابلا لتعقّل السواد ، فلا يلزم أن يكون متعقّلا له ، مع أنّ الحصول في الذهن غير الحصول في الشيء.
قال : ( وحلول المثال مغاير ).
أقول : هذا إشارة إلى كيفيّة حصول الصورة في العاقل.
وتقريره : أنّ الحالّ في العاقل إنّما هو مثال المعقول وصورته ، لا ذاته ونفسه ؛ ولهذا جوّزنا حصول صور الأضداد في النفس ، ولم نجوّز حصول الأضداد في محلّ واحد في الخارج.
__________________
(١) ما ذكره المصنّف هنا من الوجهين هو كلام العلاّمة في « كشف المراد » : ٢٢٦ ، ولم نعثر على الوجهين بهذا البيان في كتب القوم. انظر : « المحصّل » : ٢٤٤ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٤٢ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ١٢٠ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٧.