واعلم أنّ حلول مثال الشيء وصورته مغاير لحلول ذلك الشيء. ولمّا كان هذا الكلام ممّا يستعان به على حلّ ما تقدّم من الشكوك ذكره عقيبه.
قال : ( ولا يمكن الاتّحاد ).
أقول : ذهب قوم (١) من أوائل الحكماء إلى أنّ التعقّل إنّما يكون باتّحاد صورة المعقول والعاقل.
وهو خطأ فاحش ؛ فإنّ الاتّحاد محال بالبديهة.
ويلزم أيضا المحال من وجه آخر ، وهو اتّحاد الذوات المعقولة.
فلذلك ذهب آخرون (٢) إلى أنّ التعقّل يستدعي اتّحاد العاقل بالعقل الفعّال.
وهو خطأ أيضا ؛ لما تقدّم ، ولاستلزامه تعقّل كلّ شيء ثابت فيه عند تعقّل شيء واحد.
قال : ( ويختلف باختلاف المعقول ).
أقول : اختلف الناس هنا ، فذهب قوم (٣) إلى جواز تعلّق علم واحد بمعلومين.
ومنعه آخرون (٤). وهو الحقّ ؛ لأنّا قد بيّنّا أنّ التعقّل هو حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم ، وصور الأشياء المختلفة تختلف باختلافها ، فلا يمكن أن تكون صورة واحدة لمختلفتين ، فلا يتعلّق علم واحد باثنين. وإنّما جوّز ذلك من جعل
__________________
(١) نسبه الشيخ في « الإشارات والتنبيهات » إلى قوم من المشّائين ، منهم فورفوريوس ، انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٥ ، ولمزيد التوضيح راجع « الشفاء » الطبيعيّات ٢ : ٢١٢ ـ ٢٢٠ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٤٦ ـ ٤٤٩ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ٣٦ ـ ٤٦.
(٢) منهم الشيخ في كتابه « المبدأ والمعاد » ٧ ـ ١٠ على ما نسبه إليه الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٤٨ والعلاّمة في « نهاية المرام » ٢ : ٣٧ ، ولكنّ الأمر ليس كذلك ؛ لأنّ الشيخ صنّفه تقريرا لمذهبهم في المبدأ والمعاد. انظر : « شرح الإشارات والتنبيهات » ٣ : ٢٩٣ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤١٧.
(٣) منهم الجبائي ، انظر : « نقد المحصّل » : ١٥٨ ، ونسبه إلى بعض أصحاب الأشاعرة في « شرح المواقف » ٦ : ١٧ و « شرح المقاصد » ٢ : ٣٢٥.
(٤) منهم أبو الحسن الأشعري وكثير من المعتزلة ، انظر : « أصول الدين » ٣٠ ـ ٣١ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ١٧ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٢٥ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٥١.