العلم أمرا وراء الصورة.
قال : ( كالحال والاستقبال ).
أقول : هذا إشارة إلى إبطال مذهب جماعة من المعتزلة (١) ، حيث ذهبوا إلى أنّ العلم بالاستقبال علم بالحال عند حصول الاستقبال ، فقالوا : إنّ العلم بأنّ الشيء سيوجد علم بوجوده إذا وجد.
وإنّما دعاهم إلى ذلك ما ثبت من أنّ الله تعالى عالم بكلّ معلوم ، فإذا علم أنّ زيدا سيوجد ثمّ وجد ، فإن زال العلم الأوّل وتجدّد علم آخر لزم كونه تعالى محلاّ للحوادث ، وإن لم يزل كان هو المطلوب (٢).
وهذا خطأ ؛ فإنّ العلم بأنّ الشيء سيوجد علم بالعدم الحالي والوجود في ثاني الحال ، والعلم بأنّ الشيء موجود غير مشروط بالعدم الحالي ، بل هو مناف له ، فيستحيل اتّحادهما.
والوجه في حلّ الشبهة المذكورة أنّ علمه تعالى بالمعدومات إنّما يكون في مقام علمه تعالى بذاته علما تامّا ؛ لأنّ ذاته تعالى علّة تامّة للأشياء ، والعلم التامّ بالعلّة التامّة علّة تامّة للعلم التامّ بالمعلول ، فالتغيّر يكون في المعلوم لا العلم المتعالي عن الزمان والمكان.
مضافا إلى ما التزمه أبو الحسين هنا من أنّ الزوائل هي التعلّقات ـ الحاصلة بين العلم والمعلوم ـ لا العلم نفسه (٣).
وسيأتي زيادة تحقيق في هذا الموضع إن شاء الله تعالى.
قال : ( ولا يعقل إلاّ مضافا ، فيقوى الإشكال مع الاتّحاد ).
__________________
(١) نسبه إلى جمهور المشايخ في « مناهج اليقين » : ٩٤ والى أبي هاشم وجماعة في « نهاية المرام » ١ : ٢٣٧ ، وإلى مشايخ المعتزلة وكثير من الأشاعرة في المواقف وشرحه ٨ : ٧٥ وإلى كثير من المعتزلة وأهل السنّة في « شرح المقاصد » ٤ : ١٢٤.
(٢) راجع « نهاية المرام » ١ : ٢٣٥ ـ ٢٣٧ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٧٤ ـ ٧٥ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٢٢ و ١٢٤.
(٣) المنقول عنه خلاف ذلك ، كما في « نهاية المرام » ١ : ٢٣٧ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ١٢٥.