والتعقّل الذي هو إدراك المجرّد عنها ، سواء كان جزئيّا أو كلّيّا ، وهذا القسم هو المسمّى بالعلم ، فيكون العلم أخصّ مطلقا من الإدراك المطلق بهذا الاصطلاح.
وقد يطلق الإدراك باصطلاح آخر على الإحساس لا غير ، فيكون الفرق بينه وبين العلم هو الفرق ما بين النوعين الداخلين تحت الجنس ، وهو الإدراك ، وهو المعنى الأوّل.
المسألة السابعة عشرة : في أنّ العلم بالعلّة يستلزم العلم بالمعلول.
قال : ( وتعلّقه على التمام بالعلّة يستلزم تعلّقه كذلك بالمعلول ، ولا عكس ) (١).
أقول : العلم بالعلّة يقع باعتبارات ثلاثة :
الأوّل : العلم بماهيّة العلّة من حيث هي ذات وحقيقة لا باعتبار آخر ، وهذا لا يستلزم العلم بالمعلول لا على التمام ولا على النقصان إلاّ إذا كان لازما بيّنا للماهيّة.
الثاني : العلم بها من حيث إنّها مستلزمة لذات أخرى ، وهو علم ناقص بالعلّة ، فيستلزم علما ناقصا بالمعلول من حيث إنّه لازم للعلّة من جهة كون العلّيّة والمعلوليّة من المتضايفات التي يكون (٢) تعقّل أحدهما مستلزما لتعقّل الآخر ، لا من حيث ماهيّته.
الثالث : العلم بذاتها وماهيّتها ولوازمها وملزوماتها وعوارضها ومعروضاتها وما لها في ذاتها وما لها بالقياس إلى الغير ، وهذا هو العلم التامّ بالعلّة ، وهو يستلزم العلم التامّ بالمعلول ؛ فإنّ ماهيّة المعلول وحقيقته لازمة لماهيّة العلّة ، وقد فرض تعلّق العلم بها من حيث ذاتها ولوازمها.
هذا في العلم التامّ بالعلّة.
__________________
(١) كلمة : « ولا عكس » غير موجودة في « كشف المراد » و « تجريد الاعتقاد » المطبوعين.
(٢) في الأصل : « يستلزم » بدل « يكون » وما أثبتناه هو الأنسب لسياق العبارة.