يحضر الجواب عنها في ذهنه ، وليس ذلك بالقوّة المحضة ؛ فإنّه في الوقت عالم باقتداره على الجواب ، وهو يستلزم علمه بذلك الجواب ، وليس علما به على جهة التفصيل بمعنى أنّ صور التفاصيل حاصلة في الذهن مجتمعة معا من غير التفات العقل إلاّ إلى الجملة ، وعند إرادة البيان يلاحظ كلّ واحد تفصيلا ، فيتحقّق الاستحضار التفصيلي ، وهو ظاهر.
المسألة التاسعة عشرة : في كيفيّة العلم بذي السبب.
قال : ( وذو السبب إنّما يعلم به كلّيّا ).
أقول : اعلم أنّ الشيء إذا كان ذا سبب فإنّه إنّما يعلم بسببه ؛ لأنّه بدون السبب ممكن ، وإنّما يجب بسببه ، فإذا نظر إليه من حيث هو هو لم يحكم العقل بوقوعه ولا بعدمه ، وإنّما يحكم بأحدهما إذا عقل وجود السبب أو عدمه ، فذو السبب إنّما يحكم بوجوده أو عدمه بالنظر إلى سببه.
إذا ثبت هذا فإنّ ذا السبب إنّما يعلم كلّيّا ؛ لأنّ كونه صادرا عن الشيء تقييد له بأمر كلّيّ أيضا ، وتقييد الكلّيّ بالكلّيّ لا يقتضي الجزئيّة.
وتحقيق هذا أنّك إذا عقلت كسوفا شخصيّا من جهة سببه وصفاته الكلّيّة ـ التي يكون كلّ واحد منها نوعا مجموعا في شخصه ـ كان العلم به كلّيّا ، والكسوف وإن كان شخصيّا فإنّه عند ذلك يصير كلّيّا ، ويكون نوعا مجموعا في شخص ، والنوع المجموع في شخص له معقول كلّيّ لا يتغيّر ، وما يستند إليه من صفاته وأحواله يكون مدركا بالعقل فلا يتغيّر ؛ لأنّه كلّما حصلت علل الشخصي وأسبابه ، وجب حصول ذلك الجزئي ، فيقال : إنّ هذا الشخصيّ أسبابه كذا ، وكلّما حصلت هذه الأسباب كان هذا الشخصي أو مثله ، فيكون كلّيّا بعلله.
والحاصل أنّ العلم بذي السبب لا يحصل إلاّ من العلم بسببه ، وأنّ ما يعلم بسببه يعلم كلّيّا.