واعترض (١) على ذلك بإمكان العلم بذي السبب بالحسّ أو الحدس أو إخبار مخبر صادق أو نحوها مع عدم العلم بالسبب ، وأنّ العلم بالسبب الجزئي يستلزم العلم بالمسبّب الجزئي.
اللهمّ إلاّ أن يخصّص بالكلّيّ النظريّ ، فتأمّل.
المسألة العشرون : في تفسير العقل.
قال : ( والعقل غريزة يلزمها العلم بالضروريّات عند سلامة الآلات ).
أقول : اتّفق أصحاب الشرائع والملل على أنّ مناط التكاليف الشرعيّة هو العقل ، واختلفوا في تعريفه.
فالمصنّف رحمهالله ـ وفاقا لجماعة (٢) ـ عرّفه بأنّه غريزة يلزمها العلم بالضروريّات عند سلامة الآلات.
والغريزة هي الطبيعة التي جبل عليها الإنسان.
والآلات هي الحواسّ الظاهرة والباطنة.
وسلامتها عبارة عن عدم زوالها أو تعطّلها بنحو السكر والنوم.
فالحاصل أنّه حالة من أحوال النفس الناطقة بها يدرك الضروريّات ، كحسن بعض الأشياء وقبح بعض آخر. وهو الحقّ.
وفي الحديث المعتبر أنّ « العقل ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان » (٣).
__________________
(١) المعترض هو الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » ١ : ٤٨٢ ـ ٤٨٣ ؛ ولمزيد الاطّلاع حول هذه المسألة راجع « نهاية المرام » ٢ : ١٩١ ـ ١٩٤ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ؛ « شوارق الإلهام » : ٢٥٧ ـ ٢٥٨.
(٢) منهم الفخر الرازي في « المحصّل » : ٢٥١ والمصنّف في « نقد المحصّل » : ١٦٣ ، والعلاّمة في « مناهج اليقين » : ١٠١ و « نهاية المرام » ٢ : ٢٢٩ و « كشف المراد » : ٢٣٤ ، والتفتازاني في « شرح المقاصد » ٢ : ٣٣٣ ، والفاضل المقداد في « اللوامع الإلهيّة » : ٥٦.
(٣) « الكافي » ج ١ ، ص ١١ من كتاب العقل والجهل ، ح ٣ ؛ « معاني الأخبار » : ٢٣٦ ، ح ١ من باب معنى العقل.