وجزء صوري ، فالجزء المادّي هو المقدّمات والمبادئ ، والصوري هو الترتيب بينها. فإذا سلم هذان الجزءان ـ بأن كان الحمل والوضع والوسط والجهة على ما ينبغي ـ وكان الترتيب على ما ينبغي ، حصل العلم بالمطلوب بالضرورة ، وهو الغاية.
والمرتّب الذي هو النفس الناطقة بمنزلة العلّة الفاعليّة ، بل يمكن استفادة العلّة المعدّة ، وهي العلّة الخامسة ، أعني ما يوجب استعداد النفس الناطقة لترتيب أمور معلومة.
هذا في التصديقات ، وكذا في التصوّرات ؛ فإنّه اذا كان الحدّ مشتملا على جنس قريب وفصل أخير ، وقدّم الجنس على الفصل ، حصل تصوّر المحدود قطعا.
وإليه أشار المصنّف رحمهالله بقوله : « مع سلامة جزأيه » يعني الجزء المادّي والجزء الصوري.
واعلم أيضا أنّ الناس اختلفوا هنا ، فقال من (١) لا مزيد تحصيل له : إنّ النظر لا يفيد العلم ؛ فإنّ إفادته العلم إن كان ضروريّا ، لزم اشتراك العقلاء فيه ، وإن كان نظريّا ، تسلسل. ولأنّ النظر لو استلزم العلم لم يختلف الناس في آرائهم ؛ لاشتراكهم في العلوم الضروريّة التي هي مبادئ للنظر.
وذهب المحقّقون (٢) إلى أنّه يفيد العلم بالضرورة ؛ فإنّا إذا اعتقدنا أنّ العالم ممكن ، وكلّ ممكن محدث ، حصل لنا العلم بالضرورة بأنّ العالم محدث.
فخرج الجواب عن الشبهة الأولى بقوله : « ضرورة » ولا يجب اشتراك العقلاء في الضروريّات ؛ فإنّ كثيرا من الضروريّات يتشكّك فيها بعض الناس إمّا للخفاء في التصوّر أو لغير ذلك.
وخرج الجواب عن الشبهة الثانية بقوله : « مع سلامة جزأيه » وذلك لأنّ اختلاف
__________________
(١) نسبه إلى السمنيّة في « المحصّل » : ١٢٢ و « مناهج اليقين » : ١٠٣ و « شرح المواقف » ١ : ٢١٨ وما بعدها.
(٢) انظر : « المحصّل » : ١٢٢ وما بعدها ؛ « مناهج اليقين » : ١٠٣ وما بعدها ؛ « نقد المحصّل » : ٤٩ ؛ « شرح المواقف » : ٢٠٧ وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » ١ : ٢٣٥ وما بعدها ؛ « شوارق الإلهام » ٢ : ٤٢٧ ـ ٤٢٨.