الناس في الاعتقاد إنّما كان بسبب تركهم الترتيب الصحيح ، وغفلتهم عن شرائط الحمل ، وغير ذلك من أسباب الغلط إمّا في الجزء المادّي أو الصوري ، فإذا سلما حصل المطلوب لكلّ من حصل له سلامة الجزءين.
ثمّ اعلم أنّ النظر قد يحصل العلم به من غير كسب بواسطة الوحي أو الإلهام أو نحو ذلك ، وهذا هو العلم الموهبي واللدنّي ، والمراد غير ذلك ، كما لا يخفى.
قال : ( ومع فساد أحدهما قد يحصل ضدّه ).
أقول : النظر إذا فسد ـ إمّا من جهة المادّة أو من جهة الصورة لم يحصل العلم ، وقد يحصل ضدّه ، أعني الجهل.
والضابط في ذلك أن نقول : إن كان الفساد من جهة الصورة لم يستلزم النتيجة الباطلة ، وإن كان من جهة المادّة لا غير كان القياس منتجا ، فإن كانت الصغرى في الشكل الأوّل صادقة والكبرى كاذبة ، كانت النتيجة كاذبة قطعا ، وإلاّ جاز أن تكون صادقة وأن تكون كاذبة.
وبهذا التحقيق ظهر بطلان ما يقال من أنّ النظر الفاسد لا يستلزم الجهل ، وإلاّ لكان المحقّ إذا نظر في شبهة المبطل أفاده الجهل ، وليس كذلك ؛ وذلك لأنّه معارض بالنظر الصحيح ، وفاقد لشرط الإفادة ؛ فإنّ شرط اعتقاد حقّيّة المقدّمات في الصحيح شرط في الفاسد أيضا.
قال : ( وحصول العلم عن الصحيح واجب ).
أقول : اختلف الناس هنا ، فالمعتزلة على أنّ النظر مولّد العلم وسبب له (١).
والأشاعرة (٢) قالوا : إنّ الله تعالى أجرى عادته بخلق العلم عقيب النظر ، وليس النظر موجبا ولا سبب للعلم.
__________________
(١) « المغني » ١٢ : ٦٩ ـ ٩٩ ؛ « مناهج اليقين » : ١٠٥ ؛ « شرح المواقف » : ١ : ٢٤٣ ؛ « شرح المقاصد » ١ : ٢٣٧.
(٢) « المحصّل » : ١٦٣ ؛ « شرح المواقف » ١ : ٢٤١ ـ ٢٤٣ ؛ « شرح المقاصد » ١ : ٢٣٧ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٦١ ـ ٢٦٢.