وصعوبة تحصيل المعرفة بأظهر الأشياء ـ وهو الله ـ ممنوعة ؛ ولهذا قال الله تعالى : ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (١) ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ) (٢) ونحو ذلك ، وورد « أنّ العقل ما عبد به الرحمن » (٣) وغير ذلك.
ولو سلّمت فهي لا تدلّ على امتناعها مطلقا من دون المعلّم ؛ لحصول المعارف الإلهيّة لمن كان له قلب بالنظر ، ولغيره إذا ألقى السمع وهو شهيد.
وقد ألزمهم المعتزلة والأشاعرة (٤) الدور والتسلسل ؛ لتوقّف العلم بتصديق الله تعالى إيّاه بواسطة المعجزة على معرفة الله ، فلو توقّفت معرفة الله تعالى عليه دار ؛ ولأنّ احتياج كلّ عارف إلى معلّم يستلزم حاجة المعلّم إلى آخر ويتسلسل.
وهذان الإلزامان ضعيفان ؛ لأنّ الدور لازم على تقدير استقلال المعلّم بتحصيل المعارف ، وليس كذلك ، بل هو مرشد إلى استنباط الأحكام من الأدلّة التي من جملتها ما يدلّ على صدقه من المقدّمات ، بمعنى أنّه يحصل العلم بصدق المعلّم بوضع المعلّم مقدّمات منبّهة للعقل ، فيكون موقوفا عليهما ، ومعرفة الله موقوفة على إخباره والعلم بصدقه ، فلا دور.
والتسلسل يلزم لو وجب مساواة عقل المعلّم لعقولنا ، أمّا على تقدير الزيادة فلا ، فإنّ كمال عقله بتأييد الله يقتضي استقلاله وعدم احتياجه إلى غيره ، مضافا إلى احتمال الانتهاء إلى النبيّ العالم بالوحي ونحوه.
قال : ( نعم ، لا بدّ من الجزء الصوري ).
أقول : يشير بذلك إلى ترتيب المقدّمات ، فإنّه لا بدّ ـ بعد حضور المقدّمتين في الذهن ـ من ترتيب حاصل بينهما ، ليحصل العلم بالنتيجة ، وهو الجزء الصوري
__________________
(١) الأنبياء (٢١) : ٦٧ ؛ المؤمنون (٢٣) : ٨٠.
(٢) لقمان (٣١) : ٢٥ ؛ الزمر (٣٩) : ٣٨.
(٣) « الكافي » ١ : ١١ من كتاب العقل والجهل ، ح ٣ ؛ « معاني الأخبار » : ٢٣٩.
(٤) « المحصّل » : ١٢٧ ؛ « شرح المواقف » ١ : ٢٣٨ ـ ٢٣٩ ؛ « شرح المقاصد » ١ : ٢٥٩ ـ ٢٦٠.