فذهب المعتزلة (١) إلى الأوّل ، وهو مختار المصنّف ، وهو الحقّ. والأشاعرة (٢) إلى الثاني.
أمّا المصنّف والمعتزلة فاستدلّوا على وجوب النظر عقلا بوجهين (٣) :
الأوّل : أنّ معرفة الله تعالى ـ التي يتوقّف عليها شكره ودفع الضرر الواجبان عقلا ـ واجبة مطلقا ، ولا تتمّ إلاّ بالنظر ، وما لا يتمّ الواجب المطلق إلاّ به واجب ، فالنظر واجب ، فها هنا ثلاث مقدّمات :
إحداها : أنّ معرفة الله تعالى واجبة مطلقا والدليل على ذلك :
أوّلا : أنّ معرفة الله دافعة للخوف الحاصل من الاختلاف وغيره ، ودفع الخوف والضرر عن النفس واجب عقلا.
وثانيا : أنّ شكر الله تعالى واجب عقلا ؛ لأنّ نعمه على العبد كثيرة فإنّ كلّ عاقل إذا راجع نفسه يرى أنّ عليه نعما ظاهرة وباطنة ، أصليّة وفرعيّة ، دقيقة وجليلة ، روحانيّة وجسمانيّة من الوجود والحياة والإدراك والمآكل والمشارب والملابس والمساكن ونحوها ( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها ) (٤) ولا شكّ أنّها ليست منه ، فهي من غيره ، فإن لم يلتفت إلى منعمه ولم يعترف له بكونه منعما ذمّه العقلاء ، وإلاّ مدحوه ، وهذا معنى الوجوب العقلي ، فيكون الشكر واجبا عقلا.
مضافا إلى أنّ عدم الشكر موجب لاستحقاق سلب النعم ، وهو ضرر على النفس ، ودفع الضرر واجب عقلا ، فالمقدّمتان ضروريّتان ، والشكر لا يتمّ إلاّ
__________________
(١) انظر : « المغني » ١٢ : ٢٣٦ وما بعدها ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٦٦ ـ ٦٩ ؛ ونقل عنهم في « المحصّل » : ١٣٤ و « شرح المواقف » ١ : ٢٥١ و « شرح المقاصد » ١ : ٢٦٢.
(٢) انظر : « المحصل » : ١٣٤ ـ ١٣٦ ؛ « شرح المواقف » ١ : ٢٥١ ـ ٢٧٥ ؛ « شرح المقاصد » ١ : ٢٦٢ ـ ٢٧٠ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٦٤ ـ ٢٦٨.
(٣) راجع المصادر المتقدّمة و « مناهج اليقين » : ١٠٩ ـ ١١١ ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » ١٠٩ ـ ١١١ ؛ « اللوامع الإلهيّة » : ٩ ـ ١١.
(٤) إبراهيم (١٤) : ٣٤ ؛ النحل (١١٦) : ١٨.