وجوبه ، فله أن يقول : لا أنظر حتّى أعرف وجوب النظر ، وذلك يستلزم الإفحام أيضا.
والجواب عن الأوّل : أنّ خلق العباد لمّا كان لغرض عائد إليهم ـ وهو إيصال النعيم الأبدي الأخروي كما سيأتي ، ولا يصحّ ذلك إلاّ بالقابليّة الموقوفة على الطاعة ، الموقوفة على التكليف ، الموقوف على بعث الرسل ؛ لعدم استعداد الكلّ للتلقّي من الله تعالى بلا واسطة ـ كان التكليف لازما لإيجاد الخلق ، فيكون بعث الرسول أيضا لازما ، فبدونه لا يكون تكليف شرعي متفرّع عليه التعذيب الأخروي بسبب الترك ؛ لعدم كفاية مجرّد معرفة الله الواجبة عقلا لذمّ تاركها.
والحاصل : أنّ التعذيب من لوازم الوجوب النقلي لا العقلي ، فنفيه ينفي الوجوب النقلي لا العقلي.
وكون العقل والنقل متطابقين إنّما هو بعد ثبوت المعرفة وتحقّق النقل لا قبلها ، فيبقى وجوب النظر عقلا ـ بمعنى مدح فاعله وذمّ تاركه ـ على حاله.
ويمكن الجواب أيضا بالتخصيص ، وهو حمل نفي التعذيب المتوقّف على الرسالة على نفي التعذيب الذي يكون من جهة ترك التكليف السمعي ، أو تعميم الرسول ليعمّ الرسالة بالعقل ؛ جمعا بين الأدلّة.
وعن الثاني : أنّ الفائدة عاجلة وهي زوال الخوف ، أو آجلة هي نيل الثواب بالمعرفة التي لا يمكن الابتداء به في الحكمة.
وعن الثالث : أنّ وجوب النظر وإن كان نظريّا إلاّ أنّه فطري القياس ، فكان اللازم ـ وهو الإفحام ـ لازما على الأشاعرة دون الإمامية والمعتزلة.
قال : ( وملزوم العلم دليل ، والظنّ أمارة ).
أقول : لمّا كان النظر متعلّقا بما يستلزم العلم من الاعتقادات أو الظنّ ، وجب البحث عن المتعلّق ، فالمستلزم للعلم يسمّى دليلا ، والمستلزم للظنّ يسمّى أمارة ، فالمعنى أنّ النظر الذي هو ملزوم العلم ويكون العلم لازمه وحاصله يسمّى دليلا ،