ساق الكلام إليه هاهنا ، فلا وجه لإيراد أزيد ممّا ذكر هاهنا.
قال : ( والتعقّل والتجرّد متلازمان ؛ لاستلزام انقسام المحلّ انقسام الحالّ فإن تشابهت عرض الوضع للمجرّد ، وإلاّ تركّب ممّا لا يتناهى ).
أقول : هذه المسألة وما بعدها من تتمّة مباحث التعقّل ، وقد ادّعى هاهنا أنّ التعقّل والتجرّد متلازمان ، يعني أنّ كلّ عاقل مجرّد وكلّ مجرّد عاقل.
أمّا الأوّل فاستدلّ عليه ـ مضافا إلى ما تقدّم ـ بأنّ التعقّل عبارة عن إدراك شيء لم تعرضه العوارض الجزئيّة التي تلحق بسبب المادّة في الوجود الخارجي من الكمّ والكيف ونحوهما ، وهو إنّما يكون بارتسام صورة المعقول في العاقل من حيث ذاته ، فهي مجرّدة ، وكلّ ما هو محلّ للصورة المعقولة فهو مجرّد ؛ لأنّه لو كان مادّيّا لكان منقسما ، وانقسام المحلّ يستدعي انقسام الحالّ ، إذ الحالّ إمّا أن يحلّ بتمامه في جزأي المحلّ أو في أحد جزأيه ، أو لا يحلّ في شيء منه :
والأوّل يلزم منه الانقسام ؛ إذ الحالّ في أحد الجزءين غير الحالّ في الآخر.
والثاني يفيد المطلوب مع أنّه خلاف الفرض.
والثالث خلاف الفرض.
فالصورة على هذا التقدير تكون منقسمة ، فانقسامها إمّا إلى أجزاء متشابهة في الحقيقة ، وحينئذ يلزم عروض الوضع والمقدار للصورة المعقولة التي فرضناها مجرّدة عن اللواحق المادّيّة من الوضع وغيره ، وهو محال ، أو إلى أجزاء متخالفة فيلزم تركيب الصورة من أجزاء غير متناهية بالفعل ؛ لأنّ المحلّ لكونه مادّيّا يقبل القسمة إلى غير النهاية ، فالحالّ يكون كذلك ، والفرض أنّ الأجزاء متخالفة في الحقيقة ، فلا بدّ أن تكون حاصلة بالفعل ، وهذا محال كما سبق.
ويرد عليه ما سبق في مبحث تجرّد النفس.
قال : ( ولاستلزام التجرّد صحّة المعقوليّة ، المستلزمة لإمكان المصاحبة ).
أقول : هذا دليل الحكم الثاني ، وهو أنّ كلّ مجرّد عاقل.