وفيه نظر ؛ لأنّ القدرة هي مبدأ الأفعال المختلفة بحيث متى انضمّت إليها إرادة أحد الضدّين حصل ذلك الضدّ ، ومتى انضمّت إليها إرادة الضدّ الآخر حصل ذلك الآخر ، ولا شكّ أنّ نسبتها إلى الضدّين على السواء ، وإلاّ لم يكن بين القادر والموجب فرق.
قال : ( وتتقدّم الفعل ؛ لتكليف الكافر ، وللتنافي ، وللزوم أحد المحالين لولاه ).
أقول : المراد أنّ القدرة قبل الفعل ، كما عن الحكماء والمعتزلة (١).
وقالت الأشاعرة (٢) : إنّها مقارنة للفعل.
والضرورة قاضية ببطلان هذا المذهب ؛ فإنّ القاعد يمكنه القيام قطعا.
والأشاعرة بنوا مقالتهم على أصل لهم ـ سيأتي بطلانه ـ وهو أنّ العرض لا يبقى.
ثمّ إنّ المعتزلة استدلّوا على مقالتهم بوجوه ثلاثة (٣) :
الأوّل : أنّ القدرة لو لم تتقدّم الفعل قبح تكليف الكافر ، والتالي باطل بالإجماع ، فالمقدّم مثله.
بيان الملازمة : أنّ التكليف بما لا يطاق قبيح ، فلو لم يكن الكافر متمكّنا من الإيمان حال كفره ، لزم التكليف بما لا يطاق وهو غير واقع ؛ لقوله تعالى ( لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها ) (٤).
الثاني : أنّه لو لم تكن القدرة قبل الفعل لزم التنافي.
__________________
(١) « الشفاء » الإلهيّات : ١٧٦ وما بعدها ؛ « شرح الأصول الخمسة » : ٣٩٦ وما بعدها ، والإماميّة قالت : إنّ القدرة متقدّمة على الفعل ، كما في « نهاية المرام » ٢ : ٢٤٨ ؛ « مناهج اليقين » : ٧٩ ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ١٢٩٠ ؛ « إرشاد الطالبين » : ٩٥.
(٢) « المباحث المشرقيّة » ١ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ؛ « المحصّل » : ٣٥٣ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٨٨ وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٥٤ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣٧٤.
(٣) لمزيد الاطّلاع حول أدلّة المعتزلة انظر : « شرح الأصول الخمسة » : ٣٩٦ ؛ « المحصّل » : ٢٥٣ ـ ٢٥٤ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ٢٥٠ ـ ٢٥٥ ؛ « نهج الحقّ وكشف الصدق » : ١٢٩ ـ ١٣٠ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٩٣ ـ ٩٨ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٥٥ ـ ٣٥٧ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٧٤ ـ ٢٧٥.
(٤) البقرة (٢) : ٢٨٦.