وبيان الملازمة : أنّ القدرة محتاج إليها لإخراج الفعل من العدم إلى الوجود ، وكونها مع الفعل لا قبله يلزمه أن يستغنى عنها ؛ لأنّه حال وجود الفعل صار الفعل موجودا فلا حاجة إليها ، مع أنّ الفعل إنّما يخرج بالقدرة.
وإلى هذا أشار بقوله : « وللتنافي ».
الثالث : أنّه لو لم تكن القدرة متقدّمة لزم إمّا حدوث قدرة الله تعالى ، أو قدم الفعل والعالم ؛ ضرورة عدم انفكاك أحدهما عن الآخر.
والقسمان محالان ؛ لأنّ قدرة الله عين ذاته تعالى ، وحدوثها يستلزم حدوث الواجب ، وهو محال بالبديهة. وعلى تقدير الزيادة يلزم نقيض الواجب ، وهو أيضا محال مناف لوجوب الوجود ، وكذا قدم العالم ؛ لما مرّ وسيأتي ، فالمقدّم باطل.
وإلى هذا أشار بقوله : « وللزوم أحد المحالين لولاه » أي لو لا التقدّم.
قال : ( ولا يتّحد وقوع المقدور مع تعدّد القادر ).
أقول : المراد أنّه لا يمكن وقوع المقدور الواحد بقادرين مستقلّين ؛ لما مرّ من امتناع اجتماع علّتين مستقلّتين في معلول واحد شخصيّ.
والدليل عليه أنّه لو وقع بهما لزم استغناؤه بكلّ واحد منهما حال حاجته إليه ، وهو باطل بالضرورة.
ويمكن تعلّق القادرين بمقدور واحد بأن يكون ذلك الشيء مقدورا لكلّ واحد منهما وإن لم يقع إلاّ بأحدهما ؛ ولهذا قال : « ولا يتّحد وقوع المقدور » ولم يقل : ولا يتّحد المقدور.
ومن زعم أنّ القدرة قد تكون كاسبة لا مؤثّرة (١) ، فقد جوّز اجتماع قدرتين : كاسبة ومؤثّرة على مقدور واحد بكون الكاسبة متعلّقة من غير تأثير.
وهو باطل ؛ لما سبق.
__________________
(١) زعمه الأشعري وأصحابه ، على ما في « شرح المواقف » ٦ : ٨٤ ـ ٨٦ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٥٨ ـ ٣٦٠ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٧٥.