إرادة الهارب عن السبع سلوك أحد الطريقين المتساويين من دون خطور نفع حتّى يتبعه ميل.
والحقّ أنّ الإرادة قد تطلق ويراد منها العلم بالمصلحة المقتضية لمشيئة الفعل كالكراهة للعلم بالمفسدة المقتضية لمشيئة الترك ؛ ولهذا يقال : إنّ الإرادة عين ذات الله تعالى.
وقد تطلق على نفس المشيئة ، ولهذا المعنى يقال : إنّها زائدة ، وهي بهذا المعنى غير العلم بالنفع أو الضرر أو المصلحة أو المفسدة ؛ لأنّا نجد من أنفسنا ميلا إلى الشيء أو عنه مرتّبا على هذا العلم.
وهو يفارق الشهوة ؛ فإنّ المريض يريد شرب الدواء ولا يشتهيه.
قال : ( وأحدهما لازم مع التقابل ).
أقول : المحكيّ عن الشيخ الأشعري وأتباعه (١) أنّ إرادة الشيء نفس كراهة ضدّه ؛ لعدم كونهما مثلين أو ضدّين وإلاّ لامتنع اجتماعهما ، ولا متخالفين وإلاّ لجاز اجتماع كلّ منهما مع ضدّ الآخر ، كالسواد المخالف للحلاوة.
وأجيب (٢) بجواز كون المتخالفين متلازمين ، فيمتنع اجتماع الملزوم مع ضدّ اللازم ، وبجواز كون الضدّين ضدّين لأمر واحد ، كالنوم للعلم والقدرة ، فيمتنع اجتماع كلّ مع ضدّ الآخر.
وعن جماعة القول بالتغاير وإن اختلفوا في الاستلزام وعدمه ـ بمعنى أنّ إرادة الشيء تستلزم كراهة ضدّه المشعور به أم لا ـ على قولين (٣).
والمصنّف اختار القول بالتغاير والاستلزام ، فأفاد أنّ كلاّ من الإرادة والكراهة
__________________
(١) حكاه عنهم في « شرح المواقف » ٦ : ٧٣ ـ ٧٥ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٨٠.
(٢) « شرح المواقف » ٦ : ٧٥ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٨٠.
(٣) نسب القول الأوّل إلى القاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي ، والثاني قال به جماعة منهم صاحب المواقف.
انظر : « شرح المواقف » ٦ : ٧٥ ـ ٧٧ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٤١ ـ ٣٤٢ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٨٩ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤٤٧.