لازم للآخر مع تقابل المتعلّقين ؛ فإنّ إرادة أحد المتقابلين لازمة لكراهة المتقابل الآخر لا نفسها ، وبالعكس بشرط الشعور بالمقابل.
ولكن لا يخفى أنّ ذلك يتمّ بالنسبة إلى الترك الذي هو المقابل على وجه الإيجاب والسلب ، لا مطلق الضدّ ، لجواز أن لا يتعلّق بالضدّ كراهة ولا إرادة.
ومن هذا يتفرّع ما في علم الأصول من أنّ الأمر بالشيء عين النهي عن الضدّ ، أو مستلزم له أو لعدم الأمر بالضدّ ، أو ليس عينه ولا ملزومه كما هو الحقّ ، لجواز الميل إلى الشيء وإرادته والأمر به مع الغفلة عن مقابله.
قيل : ويجوز أن يكون معنى قوله : « وأحدهما لازم مع التقابل » أنّ أحدهما لازم للعلم قطعا ؛ إذ المعلوم إمّا أن يشتمل فعله على نوع من المصلحة أو على نوع من المفسدة ، فأحد الأمرين لازم ، لكن لا يلزمه أحدهما بعينه ؛ للتقابل بينهما ، بل اللازم واحد لا بعينه (١) ، فتأمّل.
قال : ( ويتغاير اعتبارهما بالنسبة إلى الفاعل وغيره ).
أقول : الذي يظهر لنا من هذا الكلام أنّ الإرادة والكراهة يتغاير اعتبارهما بالنسبة إلى الفاعل بالإرادة وغيره ؛ وذلك لأنّ الإرادة إن كانت لنفس فعل الفاعل بأن تعلّقت بفعل من أفعال نفسه ، فهي عبارة عن صفة تقتضي تخصيصه بالإيجاد دون غيره من الأفعال في وقت خاصّ دون غيره من الأوقات. وإن كانت لفعل الغير فإنّها لا تؤخذ بهذا المعنى ، بل بمعنى طلب إيجاده وكذا الكراهة.
والذي فسّره به الشارح القوشجي (٢) أنّ الإرادة بالنسبة إلى الفاعل الحقيقي ـ وهو الله تعالى ـ بالقياس إلى فعله تعالى موجبة للمراد بالاتّفاق ، وبالقياس إلى فعل غيره على الاختلاف. وإرادة غيره بالنسبة إلى غيره غير موجبة بالاتّفاق وبالقياس إلى فعل نفسه على نفسه على الاختلاف ، فالأشاعرة وجماعة من المعتزلة (٣) قالوا
__________________
(١) وهو الاحتمال الذي ذكره العلاّمة في « كشف المراد » : ٢٥٢.
(٢) « شرح تجريد العقائد » : ٢٨٢.
(٣) « المغني » ٦ : ٨٤ ـ ٨٨ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٦٦ ـ ٦٧ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٢٨١ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤٤٧.