والأولى أن يتمسّك في المغايرة بأنّ الإنسان قد يريد شرب دواء كريه في غاية الكراهة فيشربه ولا يشتهيه بل ينفر عنه ، وقد يشتهي طعاما لذيذا ولا يريده إذا كان فيه هلاكه ، فقد وجد كلّ منهما بدون الأخرى. وكذا الحال بين الكراهة والنفرة.
قال : ( فهذه الكيفيّات تفتقر إلى الحياة ، وهي صفة تقتضي الحسّ والحركة مشروطة باعتدال المزاج عندنا ).
أقول : هذه الكيفيّات النفسانيّة التي ذكرها المصنّف رحمهالله مشروطة بالحياة وهو ظاهر.
ثمّ فسّر الحياة بأنّها صفة تقتضي الحسّ والحركة ، وزادها إيضاحا بقوله : « مشروطة باعتدال المزاج » ثمّ قيّد ذلك بقوله : « عندنا » ليخرج عنه حياة واجب الوجود ؛ فإنّها غير مشروطة باعتدال المزاج ولا
تقتضي الحسّ والحركة ، فيكون المعنى أنّ الحياة صفة تقتضي الحسّ والحركة اقتضاء مشروطا باعتدال المزاج اعتدالا نوعيّا بالنسبة إلينا ، لا بالنسبة إلى الواجب.
وقيل : هي قوّة تكون مبدأ لقوّة الحسّ والحركة (١).
وقيل : قوّة تتبع اعتدال النوع وتفيض عنها سائر القوى الحيوانيّة أي المدركة. والمحرّكة (٢).
ومعنى اعتدال النوع أنّ لكلّ نوع من المركّبات العنصريّة مزاجا خاصّا هو أصلح الأمزجة بالنسبة إليه ، بحيث إذا خرج عن ذلك المزاج ، لم يكن ذلك النوع ، فإذا حصل في المركّب اعتدال يليق بنوع من أنواع الحيوان ، فاضت عليه قوّة الحياة ، وانبعثت عنها بإذن الله تعالى الحواسّ الظاهرة والباطنة والقوى المحرّكة نحو جلب
__________________
(١) هذا هو القول بالمغايرة بين الحياة وبين قوّتي الحسّ والحركة الذي قال به الشيخ.
نقله عن كلّيّات القانون في « شرح المواقف » ٥ : ٢٨٨ ونسبه إلى القيل في « شرح المقاصد » ٢ : ٢٩٢ و « شرح تجريد العقائد » : ٢٨٢.
(٢) اختاره الإيجي ، كما في « شرح المواقف » ٥ : ٢٨٨.