أقول : رسم الخطّ المستقيم بأنّه أقصر خطّ يصل بين نقطتين ؛ لأنّ كلّ نقطتين يمكن أن يوصل بينهما بخطوط غير مستقيمة مختلفة في الطول والقصر ، وبخطّ واحد مستقيم هو أقصرها (١).
إذا عرفت هذا ، فنقول : الخطّ المستقيم موجود بالضرورة. أمّا الدائرة ـ وهي سطح مستو يحيط به خطّ واحد في داخله نقطة كلّ (٢) الخطوط المستقيمة الخارجة منها إلى المحيط متساوية ـ فقد اختلف الناس في وجودها ، فالذين أثبتوا ما لا ينقسم من ذوات الأوضاع نفوها (٣) ، والباقون أثبتوها (٤) ، واختاره المصنّف ؛ لأنّ الدائرة المحسوسة موجودة ، ويمكن وجودها بإثبات أحد طرفي الخطّ المستقيم المتناهي الطرفين ، وحركة طرفه الآخر منه إلى أن عاد إلى وضعه الأوّل ، والمراد أنّ الحركة الدوريّة موجودة بلا شبهة ، فالدائرة موجودة بلا شبهة.
قال : ( والتضادّ منتف عن المستقيم والمستدير ، وكذا عن عارضيهما ).
أقول : ربّما توهّم بعض الناس أنّ الخطّ المستقيم يضادّ الخطّ المستدير ؛ للتنافي بينهما ، وكذا حال عارضيهما ، أعني الاستقامة والاستدارة (٥).
والتحقيق عند المصنّف خلاف ذلك ؛ فإنّ الضدّين يجب اتّحاد موضوعهما وتواردهما عليه ، والموضوع هنا ليس بواحد ؛ إذ المستقيم يستحيل أن ينقلب إلى المستدير وبالعكس ؛ لأنّ موضوع الخطّ المستقيم سطح مستو ، وموضوع الخطّ المستدير سطح مستدير ، وإذا انتفى التضادّ عنهما فكذا عن عارضيهما ، بمعنى أنّ
__________________
(١) نقلها عن أرخميدس في « المباحث المشرقيّة » ١ : ٥٢٩ و « نهاية المرام » ١ : ٦٠٦.
(٢) في الأصل : « كان » بدل « كلّ » والصحيح ما أثبتناه.
(٣) « الشفاء » الإلهيات : ١٤٦ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٥٤٢ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٦٠٨ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ١٥٧ ؛ « الأسفار الأربعة » ٤ : ١٦٦.
(٤) « الشفاء » الإلهيّات : ١٤٦ ؛ « النجاة » : ٢١٦ ـ ٢١٨ ؛ « شرح الإشارات والتنبيهات » ٢ : ٢٠٣ ـ ٢٠٨ ؛ « التحصيل » : ٤٠٤ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٥٤٠ ـ ٥٤١ ؛ « نهاية المرام » ١ : ٦٠٨ ؛ « الأسفار الأربعة » ٤ : ١٦٦.
(٥) انظر : « كشف المراد » : ٢٥٦ ، وقال : مال إلى هذا الرأي الفاضل القوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ٢٨٦ ـ ٢٨٧.