أقول : هاتان خاصّتان مطلقتان للمضاف لا يشاركه فيهما غيره :
إحداهما : وجوب الانعكاس ، بمعنى أنّه إذا نسب أحد المضافين المشهوريّين إلى الآخر من حيث إنّه مضاف ، وجب أن تنعكس تلك النسبة ، فينسب إلى الآخر أيضا ، فإنّه كما يقال : إنّ الأب أب للابن ، كذا يقال : إنّ الابن ابن للأب. فالمراد بالانعكاس الحكم بإضافة كلّ واحد منهما ونسبته إلى صاحبه من حيث كان مضافا إليه كما مثّلنا. فإن لم تراع هذه الحيثيّة لم يجب الانعكاس ، كما تقول : الأب أب للإنسان ، ولا تقول : الإنسان إنسان الأب ، وكذا المضاف الحقيقي ؛ إذ لا انعكاس فيه ، فلا يقال : الأبوّة أبوّة البنوّة وبالعكس.
وكيف كان فالانعكاس قد لا يفتقر إلى حرف النسبة كالعظيم والصغير ، وقد يفتقر مع تساوي الحرف في الجانبين ، كقولنا : « العبد عبد للمولى والمولى مولى للعبد » أو مع اختلافه ، كقولنا : « العالم عالم بالمعلوم والمعلوم معلوم للعالم ».
الثانية : التكافؤ في الوجود بالفعل أو القوّة بمعنى أنّه إذا كان أحدهما موجودا بالفعل فلا بدّ أن يكون الآخر أيضا موجودا بالفعل ، وإذا كان أحدهما موجودا بالقوّة فلا بدّ أن يكون الآخر أيضا موجودا بالقوّة ، فالأب إذا كان أبا بالفعل كان الابن أيضا ابنا بالفعل ، وإن كان الأب بالقوّة كان الابن أيضا بالقوّة ، فالمتقدّم مصاحب للمتأخّر هنا.
قال : ( ويعرض للموجودات أجمع ).
أقول : المضاف الحقيقي يعرض لجميع الموجودات ، كما يقال للواجب تعالى : أوّل قادر عالم خالق رازق. ويقال لنوع من الجواهر : إنّه أب وابن وغيرهما. ويقال للخطّ : طويل وقصير ، وللعدد : قليل وكثير ، وللكيف : أسخن وأبرد ، وللمضاف : كالأقرب والأبعد ، وللأين : أعلى وأسفل ، وللمتى : أقدم وأحدث ، وللوضع : أشدّ انتصابا وانحناء ، وللملك : أعرى وأكسى ، وللفعل : أقطع وأصرم ، وللانفعال : أشدّ تسخّنا وتقطّعا.