فتنتهي من هذه الطريق الإضافات.
وأمّا كون هذا المعنى المضاف بذاته في هذا الموضوع فله وجود آخر ، مثلا : وجود الأبوّة في الأب أمر زائد على ذات الأب ، وذلك الموجود أمر مضاف أيضا ، فليكن هذا عارضا من المضاف لذي المضاف وكلّ واحد منهما مضاف لذاته إلى ما هو مضاف إليه بلا إضافة أخرى ، فالكون محمولا مضاف لذاته ، والكون أبوّة مضاف لذاته (١).
وهذا الكلام على طوله غير مفيد للمطلوب ؛ لأنّ التسلسل الذي ألزمناه ليس من حيث إنّ المضاف الذي هو المقولة يكون مضافا بإضافة أخرى حتّى تقسم الأشياء إلى ما هو مضاف لذاته وإلى ما هو مضاف بغيره ، بل من حيث إنّ المضاف الحقيقي كالأبوّة يفتقر إلى محلّ يقوم به ، وحلولها في ذلك المحلّ إضافة إلى ذلك المحلّ يستدعي محلاّ وحلولا ويتسلسل.
وإلى هذا أشار المصنّف رحمهالله بقوله : « ولا ينفع تعلّق الإضافة بذاتها » أي تعلّق الإضافة بالمضاف إليه لذاتها ، لا لإضافة أخرى.
قال : ( ولتقدّم وجودها عليه ).
أقول : هذا وجه ثان دالّ على أنّ الإضافة ليست ثابتة في الأعيان.
وتقريره : أنّها لو كانت ثبوتيّة لشاركت الموجودات في الوجود وامتازت عنها بخصوصيّة ، فاتّصاف وجودها بتلك الخصوصيّة إضافة سابقة على وجود الإضافة ، فيلزم تقدّم وجود الإضافة على وجودها وهو محال ، فالضمير في « عليه » يرجع إلى « وجودها ».
ويحتمل عوده إلى المحلّ ، ويكون معنى الكلام أنّ الإضافة لو كانت موجودة لزم تقدّمها على محلّها ؛ لأنّ وجود محلّها صفة له ، فاتّصافه به نوع إضافة سابق على وجود الإضافة ، وأعاد الضمير إليه من غير ذكر لفظي ؛ لظهوره.
__________________
(١) « الشفاء » الإلهيّات : ١٥٧ ، الفصل العاشر من المقالة الثالثة. وقد صحّحنا النقل على المصدر.