يقبلان الشدّة والضعف ، ولا شيء من الفصول بقابل لهما ؛ وذلك لأنّ سرعة بعض الحركات تختلف بالقياس إلى غيرها ، فما هو سريع بالنسبة إلى شيء قد يكون بطيئا بالنسبة إلى غيره.
قال : ( وسبب البطء الممانعة الداخليّة أو الخارجيّة ، لا تخلّل السكنات ، وإلاّ لما أحسّ بما اتّصف بالمقابل )
أقول : اعلم أنّ المتكلّمين ـ كما حكي (١) ـ ذهبوا إلى أنّ تخلّل السكنات بين أجزاء الحركة سبب للإحساس بالبطء.
والفلاسفة نفوا ذلك (٢).
واختار المصنّف مذهب الفلاسفة ، فمنعوا استناد البطء إلى تخلّل السكنات ، بل أسندوه إلى الموانع الخارجيّة كغلظ قوام ما يتحرّك فيه في الحركات الطبيعيّة ، وإلى الداخليّة كالميول الطبيعيّة بالنسبة إلى الحركات القسريّة ؛ لأنّه لو كان تخلّل السكنات سببا لبطء الحركة ، لما أحسّ بما اتّصف بالمقابل ، يعني أنّه يلزم عدم الإحساس بالحركات المتّصفة بالسرعة التي هي مقابلة للبطء ؛ لأنّ حركة الفرس في يوم واحد خمسين فرسخا ـ مثلا ـ أقلّ من حركة الفلك الأعظم في ذلك اليوم في الغاية ، فتكون حركة الفرس في غاية البطء بالنسبة إلى حركة الفلك ، بل تزيد حركة الفلك على حركة الفرس بألف ألف مرّة ، فلو كان البطء لتخلّل السكنات المتخلّلة بين حركات الفرس في ذلك الوقت أزيد من حركاته ألف ألف مرّة ، فيلزم أن لا تكون حركات الفرس محسوسة ؛ لكونها قليلة مغمورة في سكنات تزيد عليها
__________________
(١) حكاه عنهم العلاّمة في « كشف المراد » : ٢٧٠ و « نهاية المرام » ٣ : ٤٣٧ والقوشجي في « شرح تجريد العقائد » : ٣٠٤ واللاهيجي في « شوارق الإلهام » : ٤٨٣. وانظر : « شرح المواقف » ٦ : ٢٥١ ـ ٢٥٤ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٤٤٦ ـ ٤٤٧.
(٢) انظر : « الشفاء » الطبيعيّات ١ : ١٥٥ و ١٩٤ ؛ « النجاة » : ١١٠ ـ ١١١ ؛ « التحصيل » : ٤٣٣ ـ ٤٣٤ ؛ « المباحث المشرقيّة » ١ : ٧٢٠ ـ ٧٢١ ؛ « شرح حكمة العين » : ٤٤٦ ؛ « نهاية المرام » ٣ : ٤٣٧ ـ ٤٤٠ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ٢٥٤ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٤٤٧ ـ ٤٤٩.