والحقّ هو الأخير ؛ لأنّ السكون ليس عدم الحركة خاصّة ، وإلاّ لكان المتحرّك إلى جهة ، ساكنا في غير تلك الجهة ، بل هو عدم كلّ حركة ممكنة في ذلك المكان.
واحتجّ الأوّلون بأنّ السكون في النهاية كمال للحركة ، وكمال الشيء لا يقابله.
والجواب : أنّ السكون ليس كمالا للحركة ، بل للمتحرّك.
الثاني : أنّ السكون ضدّ يقابل الحركة المستقيمة والمستديرة معا ؛ وذلك لأنّه لمّا بيّن أنّ السكون عبارة عن حفظ النسب ، وكان حفظ النسب إنّما يتمّ ببقاء الجسم في مكانه على وصفه (١) ، وجب أن يكون السكون مقابلا للحركة المستقيمة والمستديرة معا ؛ لانتفاء حفظ النسب فيهما (٢).
ولا يخفى أنّ الظاهر هو الأخير ، وإلاّ كان الصحيح أن يقول : « كلّ حركة » لا « الحركتين ».
ويمكن أن يكون المراد الحركة الأينيّة وغيرها.
قال : ( وفي غير الأين حفظ النوع ).
أقول : لمّا بيّن أنّ السكون عبارة عن حفظ النسب ، وكان ذلك إنّما يتحقّق في السكون في المكان والأين لا كلّ سكون ، فوجب عليه أن يفسّر السكون في غير الأين من المقولات الأربع ، فجعله عبارة عن حفظ النوع في المقولة التي تقع عنها الحركة ، وذلك بأن تقف في الكمّ من غير نموّ وذبول وتخلخل وتكاثف ، وفي الكيف من غير اشتداد وضعف ، وفي الوضع من غير تبدّل إلى وضع آخر.
وينبغي حمل النوع على مطلق الكلّي ؛ لئلاّ يرد أنّ الحركة قد تكون من صنف إلى صنف أو من فرد إلى فرد ، فيكون النوع محفوظا ولا سكون.
قال : ( ويتضادّ لتضادّ ما فيه ).
أقول : قد يعرض السكون التضادّ كما تعرض الحركة ؛ فإنّ السكون في المكان الأعلى
__________________
(١) في المصدر : « وضعه » بدل « وصفه ».
(٢) « كشف المراد » : ٢٧١.