يضادّ السكون في المكان الأسفل ، فعلّة تضادّه ليست تضادّ الساكن ولا المسكن ولا الزمان ؛ لما تقدّم في الحركة ، ولا تعلّق له بالمبدإ والمنتهى ، فوجب أن تكون علّة تضادّه هو تضادّ ما فيه من المقولة التي يقع فيها السكون ؛ فإنّ سكون الجسم في الحرارة يضادّ سكونه في البرودة ؛ لتضادّ الحرارة والبرودة اللتين يقع فيهما السكون.
قال : ( ومن الكون طبيعيّ وقسريّ وإراديّ ).
أقول : الكون يريد به هنا الجنس الشامل للحركة والسكون ـ كما اصطلح عليه المتكلّمون (١) ـ وهو ينقسم إلى أقسام ثلاثة ؛ وذلك لأنّه عبارة عن حصول الجسم في الحيّز ، وذلك الحصول قد بيّنّا أنّه لا يجوز استناده إلى ذات الجسم ، فلا بدّ من قوّة استند إليها ، وتلك القوّة إمّا أن تكون مستفادة من الخارج وهي القسريّة ، أو لا وهي الطبيعيّة إن لم تقارن الشعور ، والإراديّة إن قارنته.
قال : ( فطبيعيّ الحركة إنّما يحصل عند مقارنة أمر غير طبيعيّ ).
أقول : الطبيعة أمر ثابت والحركة غير ثابتة ، فلا تستند إليها لذاتها ، بل لا بدّ من اقتران الطبيعة بأمر غير طبيعي ، ويفتقر في الردّ إليه إلى الانتقال ، فيكون ذلك الانتقال طبيعيّا ، أمّا في الأين فكالحجر المرميّ إلى فوق ، وتتبعها الحركة في الوضع ، وأمّا في الكيف فكالماء المسخّن ، وأمّا في الكمّ فكالذابل بالمرض.
قال : ( لردّ الجسم إليه فيقف ).
أقول : غاية الحركة الطبيعيّة إنّما هي حصول الحالة الملائمة للطبيعة التي فرضنا زوالها حتّى اقتضت الطبيعة الحركة وردّ الجسم إليها بعد عدمها عنه ، لا الهرب عن الحالة غير الطبيعيّة.
نعم ، كلّ طريق غير طبيعي مهروب عنه.
__________________
(١) « شرح الأصول الخمسة » : ٩٦ ؛ « أصول الدين » : ٤٠ ؛ « الأربعين في أصول الدين » : ٢١ ؛ « نهاية المرام » ٣ : ٣١٩ ـ ٣٢٢ ؛ « مناهج اليقين » : ٥٣ ؛ « شرح المواقف » ٦ : ١٦٥ وما بعدها ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٣٩٢ وما بعدها ؛ « إرشاد الطالبين » : ٧٢ ـ ٧٤ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣٠٦ و ٣٨٩ ؛ « شوارق الإلهام » : ٤٥٨.