وتأثّره عنه ما دام التأثير والتأثّر موجودين ، فإذا انقطعا ، قيل لهما : فعل وانفعال ، ولهذا أوثر لفظ « أن يفعل » و « أن ينفعل » على « الفعل » و « الانفعال » حيث إنّهما قد يقالان للحاصل بعد انقطاع الحركة مع عدم كونه من المقولة.
قال : ( والحقّ ثبوتهما ذهنا ، وإلاّ لزم التسلسل ).
أقول : المصنّف رحمهالله ذهب هنا إلى ما ذهب إليه المتكلّمون (١) ، وخالف الأوائل في ذلك ، وجعل هاتين المقولتين أمرين ذهنيّين لا ثبوت لهما عينا ، وإلاّ لزم التسلسل.
ووجه اللزوم : أنّ ثبوتهما يستدعي ثبوت علّة مؤثّرة فيهما ؛ فتلك العلّة لها نسبة التأثير إليهما ، ولهما نسبة التأثّر عنها ، فهناك تأثير وتأثّر آخران ، وذلك يستدعي ثبوت نسبتين أخريين وهكذا إلى ما لا يتناهى ، فيلزم التسلسل.
وفيه : أنّ الفعل والانفعال لو كانا ذهنيّين خاصّة ، لما ترتّب عليهما الآثار الخارجيّة ، وهو خلاف الضرورة ، والتسلسل ينتفي بالإيجاد الإبداعي والحصول الدفعي والانتهاء إلى النسبة الذاتيّة بمعنى أنّ المنفعل له نسبة إلى الفاعل بسبب الفعل ، والفعل له نسبة إليه بسبب ذاته ، وكذا الانفعال بالنسبة إلى المنفعل ، فالحقّ ثبوتهما عينا.
هذا آخر الكلام في المقدّمات ، ولنصرف عنان البيان إلى المقاصد الأصليّة التي أعلاها الإلهيّات مع صدق النيّات.
والحمد لله على إعطاء الأمور العامّة الكلّيّة والجواهر اللاهوتيّة والأعراض الناسوتيّة. والصلاة والسلام على رسوله وآله خير البريّة.
وكان الفراغ في سنة ١٢٤٨ ه.
__________________
(١) ذهب إليه جماعة منهم الفخر الرازي في « المباحث المشرقيّة » ١ : ٥٨٣ ـ ٥٨٥ ؛ « المحصّل » : ٢١٩ ـ ٢٢٠ ؛ « نهاية المرام » ٢ : ٤٠٦ ـ ٤٠٨ ؛ « شرح المقاصد » ٢ : ٤٧٢ ـ ٤٧٥ ؛ « شرح تجريد العقائد » : ٣٠٩ ؛ « شوارق الإلهام » : ٣٩٤.