فكأن هذه كبرى مسلمة عند الكل ، وهي ان الأمين لا يضمن.
ونحن استشكلنا على أمثال هذه الإجماعات في هذا الكتاب ، فلا نعيد.
الرابع : ان الأمين المأذون من قبل المالك أو من قبل الشارع لنفع المالك محسن إليه ، وقال تعالى ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) وحيث ان كلمة « سبيل » في الآية الشريفة نكرة واقعة في سياق النفي يفيد العموم ، فكل سبيل منفي بالنسبة إلى المحسنين. ولا شك ان كون الضمان على عهدة الأمين سبيل ، فبعد الفراغ عن كونه محسنا يكون الضمان منفيا عنه.
ويمكن تقريب هذا الوجه بشكل يكون من الأحكام العقلية ، بأن يقال :
بعد ما ثبت ان الأمين ـ بالبيان المتقدم ـ محسن إلى المالك ، ولم يكن من طرفه تعد ولا تفريط ، والمال هلك بسبب سماوي ، مع كمال التوجه في حفظه من طرف الأمين ، فالعقل في هذه الصورة يستقبح تغريم الأمين. فعدم غرم الأمين وكذلك عدم ضمانه حكم عقلي.
وقوله تعالى ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) تقرير وتثبيت لذلك الحكم العقلي.
ولكن هذا الوجه لا يجري في جميع الأمناء والمأذونين ، ففي مثل العارية وإن كان المستعير مأذونا من قبل المالك ولكن لا يعد محسنا إلى المالك ، بل تصرفه في مال المالك لأجل مصلحة نفسه لا المالك.
الجهة الثانية
في شرح المراد من هذه القاعدة
فنقول : اما المراد من « الضمان » هو الضمان الواقعي أي المثل في المثليات ، والقيمة في
__________________
(١) التوبة (٩) : ٩١.