المكلّف ملزم بهذا الفعل ولا يجوز له تركه إلاّ في صورة اشتغال الغير ، وأمّا في صورة عدم اشتغال الغير ـ كما هو المفروض في المقام ـ فهو مقهور في الفعل وليس له الترك ، حتّى أنّه لو ترك يجبر من باب الأمر بالمعروف ، فلا يبقى لعمله احترام على مذاق شيخنا الأعظم قدس سرّه كما أفاده في مكاسبه (١) ، أو ليس بقادر على الفعل والترك في عالم التشريع وهو الملاك في عدم صحّة الإجارة عندنا.
والحاصل : أنّ كلّما كان واجبا على المكلّف سواء أكان وجوبه عينيّا أو كفائيّا ، تعيينيّا أو تخييريّا ، نفسيّا أو غيريّا ، تعبديّا أو توصليّا لا يجوز أخذ الأجرة عليه إلاّ في بعض أقسام التخييري ، أي التخيير الشرعي ، كما تقدّم. وما قلنا من جواز أخذ الأجرة في التخيير الشرعي هو فيما إذا لم يكن تعبّديّا ، وأمّا التعبّدي فلا يجوز مطلقا.
إذا عرفت ما ذكرنا ـ من عدم صحّة أخذ الأجرة على جميع أقسام الواجبات ـ فيرد الاشكال المشهور ، وهو أنّه لا شكّ في جواز أخذ الأجرة على الصناعات التي تجب كفاية على جميع المسلمين ، لاختلال سوقهم ونظام معاشهم بدون ذلك ، فكيف التفصّي عن هذا الإشكال مع قولكم بعدم جواز أخذ الأجرة على جميع أقسام الواجب؟
وقد تفصّى عنه بوجوه :
منها : خروج هذه الواجبات عن تحت تلك القاعدة بالإجماع والسيرة.
وفيه : استبعاد أن يكون أخذ الأجرة حكما تعبديّا من طرف الشارع ، مخالفا لقواعد باب الإجارة بل المعاملات جميعا.
منها : أن نقول في أصل المسألة بالفرق بين التعبّدي والتوصّلي بأنّه يجوز أخذ الأجرة في التوصّلي دون التعبّدي ، كما هو مسلك جماعة. والواجبات النظامية كلّها ـ إلاّ ما شذّ وندر ـ توصّلي ، فلا مانع من أخذ الأجرة عليها أصلا ، ونلتزم فيما إذا كانت
__________________
(١) المصدر.